" إن لم يكن بدً من إغضاب الناس، أو إغضاب الله عز وجل، ولم يكن مندوحة عن منافرة الخلق، أو منافرة الحق، فأغضب الناس ونافرهم، ولا تغضب ربك، ولا تنافر الحق" ابن حزم : كتاب الأخلاق والسير

* الوَرَع والبعد عن الشبهات

"دع ما يريبك إلى ما لا يريبك"
"وكن ورِعاً تكن أعبد الناس"

الوَرَعُ .. مبدأ إسلامي أصيل، وعبادة عظيمة، يحتاج إليها الجميع: الرجل والمرأة، الموظّف والتاجر، المدنيّ والعسكري، المعلمّ والطالب، الغنيّ والفقير. ومع كون الجميع في حاجة إلى هذه العبادة، ولا يستغني عنها أحد، إلا أنها عبادة مجهولة عند البعض، ومهجورة عند البعض الآخر، ولا يعمل بها إلا القليل.
    وقد عرّف شيخ الإسلام ابن تيمية الورع بأنّه: "الإمساك عمّا قد يضرّ. فتدخل فيه المحرمات، والشبهات؛ لأنها قد تضر". (مجموع الفتاوى، 5/512)
    وعرّفه ابن القيم بقوله: " ترك ما يُخشى ضرره في الآخرة".( الفوائد، 153)
 وقال يحيى بن معاذ: "الورع: اجتناب كل رِيبة، وترك كل شبهة".(الزهد الكبير، 2/316)
    ومن تعريفات الورع أنه : "تجنب الشبهات خوف الوقوع في محرم. وقيل: ترك ما يريبك، ونفي ما يعيبك. وقيل: الأخذ بالأوثق، وحمل النفس على الأشقّ".(سبل السلام، 4/170)
    وقد فسّر الإمام أحمد الشبهة بأنها منـزلة بين الحلال والحرام؛ أي الحلال الواضح البيّن، والحرام الواضح البينّ، وقال لمن سأله عن الشبهة: "هي الشيء بين الحلال والحرام". (الورع لابن حنبل، 74) 
    وقال الإمام المناوي عن الشبهة هي: " التي تشبه الحلال من وجه، والحرام من وجه، فيشتبه على السالك الأمر فيها. فالورع تركها احتياطاً، وحذراً من الوقوع في الحرام". ( فيض القدير، 6/373)
   فهناك أمور، ومسائل مُجْمعٌ على تحريمها. وأمور، ومسائل مُجْمعٌ على حِلّها. وهناك أمور، ومسائل موضع اشتباه، والتباس، وحكمها الشرعي غير واضح لكثير من الناس، وليس فيـها نصوص قطعية، أو أحكـام نهائية، وقد تعـددت حولها الآراء، واختلف فيها العلماء بين محلل ومحرم.
    ويواجه المسلم، والمسلمة كثيراً من هذه الأمور في حياتهم اليومية، منها ما يتصل بالفرائض والعبـادات، وما يتعلق بها من تفاصيل، ومنها ما يتصل بجانب العقيدة وما يتعلق به من أحكام. وفي مثل هذه  الأمور، والقضايا، وفي طبيعة التعامل معها؛ يتجلّى ورع المسلم، وتقواه، وخشيته لله، واتقاؤه للشبهات، وبعده عن المحرمات.
    وفي التعاملات المالية المتعلقة بالبيع، والشراء، والمشاريع التجارية، ونشاطات البنوك، وأسهم الشركات، هناك تعاملات محرّمة بالإجماع، وهناك تعاملات مباحة بالإجماع، وهناك تعاملات فيها شبهة؛ تعدّدت فيها الآراء، وتشعّبت ما بين محلل ومحرّم، ولم يستقر الأمر فيها على رأي محدد. فالتصرف السليم من المسلم التقيّ الوَرِع الذي يخشى الله، ويحرص على أن يكون مكسبه، ومطعمه من الحلال، هو الابتعاد عن هذه التعاملات، وتجنّبها.
 والمسلم التقيّ الوَرِع الذي{يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه} مستعد لترك كثير من الأمور، أو التعاملات التي يمكن أن توقعه في الحرام، أو تقرّبه منه، حتى وهي من الحلال الجائز، فكيف بها إذا كانت من الأمور المشتبهة، أو المختلف فيها؟!
إن المسلم التقيّ الوَرِع يكفيه أن يجد ولو شبهة بسيطة في أمر من الأمور ليجتنبه، ويبتعد عنه، ويفرّمنه، وهناك بدائل شرعية كثيرة فيها غِنىً للمسلم عن الأمور المحرّمة، أو موضع الشبهة.
  وإذا كانت الأمور المشار إليها أعلاه يشترك فيها الرجل والمرأة، فإنّ هناك أموراً تختص بها المرأة دون الرجل؛ تتعلق بحجابها، ولباسها، وزينتها. فالمرأة المسلمة التّقية الوَرِعة، تحرص على أن تبتعد في هذه الأمور عن كل ما فيه شبهة، وعن كل ما يجعلها موضع تهمة، ولا تُقْدم على أي تصرف أو سلوك، ولا تبادر إلى استعمال أي مادة، أو ارتداء أي ملابس؛ إذا كانت لا تجد فيها جواباً وافياً بالتحليل.

   وسأورد فيما يلي مجموعة من الأحاديث النبوية ذات الصلة بموضوع الورع، واجتناب الشبهات، والبعد عنها :
 ـ قال رسول الله "إنّ الحلال بيّن. وإنّ الحرام بيّن. وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتّقى الشبهات؛ استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام؛ كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه. ألا وإنّ لكل ملك حمى، ألا وإنّ حمى الله محارمه. ألا وإنّ في الجسد مضغة؛ إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسـدت فسد الجسد كله؛ ألا وهي القلب". (البخاري برقم 52. ومسلم برقم 1599)
ـ وفي رواية للبخاري: "الحلال بيّن. والحرام بيّن. وبينهما أمور مشتبهة؛ فمن ترك ما شُبِّهَ عليه من الإثم، كان لما استبان أترك، ومن اجترأ على ما يَشُك فيه من الإثم، أوشك أن يواقع ما استبان. والمعاصي حمى الله، من يرتع حول الحمى يوشك أن يواقعه".(البخاري برقم2051)
ـ وفي رواية للترمذي: "الحلال بيّن. والحرام بيّن. وبين ذلك أمور مشتبهات، لا يدري كثير من الناس؛ أمن الحلال هي أم من الحرام؟ فمن تركها استبراءً لدينه، وعرضه، فقد سَلِم. ومن واقـع شيئا منها يوشك أن يواقع الحرام، كما أنه من يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه".(الترمذي برقم1205، وقال: حديث حسن صحيح)
    "أجمع الأئمة على عظم شأن هذا الحديث، وأنه من الأحاديث التي تدور عليها قواعد الإسلام، قال جماعة: هو ثلث الإسلام؛ فإنّ دورانه عليه، وعلى حديث: (الأعمال بالنيات) وعلى حديث: (من حُسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)" (سبل السلام،4/171)
   "قوله: (لا يعلمها كثير من الناس) أي لا يعلم حكمها. وهو ما وضحته رواية الترمذي بلفظ: لا يدري كثير من الناس أمن الحلال هي أم من الحرام؟  ومعنى  (استبرأ لدينه وعرضه) : أي برّأ دينه من النقص، وبرّأ عرضه من الطعن فيه؛ لأنّ من لم يُعرف باجتناب الشبهات لم يسلم لقول من يطعن فيه. وفيه دليل على أنّ من لم يَتَوقّ الشبهة في كسبه، ومعاشه، فقد عرّض نفسه للطعن فيه، وفي هذا إشارة إلى المحافظة على أمور الدين، ومراعاة المروءة". ( فتح الباري،1/127)
    وقد شبّه النبي المحرمات بالحِمى الذي يحميه الملوك، ويمنعون غيرهم من الاقتراب منه. "والله سبحانه وتعالى حمى هذه المحرمات، ومنع عباده من قربانها، وسمّاها حدوده فقال {..تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا..}(البقرة:187) وقال في آية أخرى {..تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا ..}(البقرة:229) وهذا فيه بيان أنه حدّ لهم ما أحلّ لهم، وما حرّم عليهم، فلا يقربوا الحرام، ولا يتعدوا الحلال، وجعل من يرعى حول الحمى، أو قريبا منه، جديراً بأن يدخل الحمى فيرتع فيه. فلذلك من تعدّى الحلال، ووقع في الشبهات، فإنّه قد قارب الحرام غاية المقاربة، فما أخلقه بأن يخالط الحرام المحض، ويقع فيه. وفي هذا إشارة إلى أنه ينبغي التباعد عن المحرمات، وأن يجعل الإنسان بينه وبينها حاجزاً".(جامع العلوم والحكم، 84)
      "وفي الحديث إرشاد إلى البعد عن ذرائع الحرام، وإن كانت غير محرّمة؛ فإنّه يُخاف من الوقوع فيها الوقوع في الحرام، فمن احتاط لنفسه فلا يقرب الشبهات؛ لئلا يدخل في المعاصي".(سبل السلام، 4/172)
ـ وقال "إنّي لأنقلب إلى أهلي فأجد التمرة ساقطة على فراشي، فأرفعها لآكلها، ثم أخشى أن تكون صدقة، فألقيها". ( البخاري برقم2432. ومسلم برقم 1070 )
ـ وقال "ليأتِيـّّن على الناس زمان؛ لا يبالي المرء بما أخذ المال: أمن حلال أم من حرام". (البخاري برقم 2083)
ـ وقال "ليأتيـّن على الناس زمان؛ لا يبقى منهم  أحد إلا أكل الربا، فإن لم يأكله أصابه من غباره".(أبو داود برقم 3331. وابن ماجه برقم 2278)
ـ وقال "دع ما يَريبك إلى مالا يَريبك؛ فإنّ الصدق طمأنينة، وإنّ الكذب ريبة". (الترمذي برقم 2518، وقال: حديث حسن صحيح)
ـ وقال "دع ما يَريبك إلى ما لا يَريبك؛ فإنّ الخير طمأنينة، وإنّ الشر ريبة". ( ابن حبان برقم 722. والحاكم في المستدرك برقم 2169)
     "قوله: (يَُريبك) بفتح أوله، ويجوز الضم؛ يقال: رابه يَريبه بالفتح، وأرابه يُريبه بالضم، ريبةً، وهي: الشك والتردد. والمعنى: إذا شككت في شيء فدعه. وترك ما يُشَكّ فيه أصل عظيم في الورع". (فتح الباري، 4/293)
ـ وعن واثلة بن الأسقع أنّه قال للنبي : أفتنا عن أمر نأخذه عنك من بعدك. قال: "لتَعْنك نفسك" فقال: كيف لي بذلك؟ فقال: "تدع ما يريبك إلى ما لا يريبك، وإن أفتاك المفتون". فقلت: وكيف لي بعلم ذلك؟ قال: "تضع يدك على فؤادك؛ فإنّ القلب يسكن للحلال، ولا يسكن للحرام، وإنّ الوَرِع المسلم يدع الصغير مخافة أن يقع في الكبير". قلت : فمن الحريص؟ قال : "الذي يطلب المكسبة من غيـر حِلّها". قلت : فمن الوَرِع ؟ قال : " الذي يقف عند الشبهة". (الطبراني في المعجم الكبير برقم 193)
ـ وقال رسول الله : "لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين؛ حتى يدع ما لا بأس به، حذراً لما به بأس".(الترمذي برقم 2451، وقال: حديث حسن. وابن ماجه برقم 4215)
ـ وسأل النواس بن سمعان رسول الله عن البرّ والإثم. فقال : "البرّ حسن الخلق. والإثم ما حاك في صدرك، وكرهت أن يطلع عليه الناس" (مسلم برقم 2553)
ـ وسأل رجل النبي ، ما الإيمان؟ قال: "إذا ساءتك سيئتك، وسرّتك حسنتك، فأنت مؤمن" قال: فما الإثم؟ قال: "إذا حاك في نفسك شيء فدعه". قال: ". (أحمد برقم 22313)
ـ وقال رسول الله لوابصة: "جئت تسألني عن البر والإثم؟" قال: نعم. فجمع أصابعه الثلاثة، فجعل ينكت بها في صدره، ويقول: "يا وابصة، استفت نفسك. البرّ: ما اطمأن إليه القلب، واطمأنت إليه النفس. والإثم: ما حاك في القلب، وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك". (أحمد برقم 18105. والدارمي برقم 2533)
ـ وقال رسول الله لأبي هريرة: "كُن وَرِعاً تكن أعبد الناس. وكن قَنِعاً تكن أشكر الناس. وأحبّ للناس ما تحبّ لنفسك تكن مؤمنا. وأحسن مجاورة من جاورك تكن مسلما. وأقِلّ الضحك؛ فإنّ كثرة الضحك تميت القلب". (ابن ماجه برقم 4217)
ـ وقال رسول الله : "فضل العلم أحب إليّ من فضل العبادة. وخير دينكم الورع".( صحيح الجامع الصغير للألباني برقم 4214 )
ـ وقال رسول الله : " ثـلاث من لم يكـنَّ فيه فليس مني، ولا من الله" . قيل: وما هن. قال: "حِلم يردّ به جهل الجاهل، أو حسن خلق يعيش به في الناس، أو ورع يحجزه عن معاصي الله، ". (الطبراني في الأوسط برقم 4848)
   
     وهذه طائفة من أقوال الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ  والتابعين، وعلماء السلف رحمهم الله جميعاً:
ـ قال عمر بن الخطاب : "كنّا ندع تسعة أعشار الحلال؛ مخافة الوقوع في الحرام"(الكبائر، 120)  
ـ وقال أيضاً : "تركنا تسعة أعشار الحلال مخافة الربا" (مصنف عبد الرزاق، 8/152)
ـ ورُوي عنه أنه قال: "لا تنظروا إلى صلاة امرئ، ولا صيامه، ولكن انظروا إلى صدق حديثه إذا حدّث، وإلى ورعه إذا أشفى، وإلى أمانته إذا ائتمن" (الزهد الكبير،340)
  ومعنى أشفى: أي إذا شارف على  الوقوع في الحرام، أو المعصية، واقترب منها.
ـ وقال : "بالورع عمّا حرم الله؛ يقبل الله الدعاء، والتسبيح" (جامع العلوم والحكم، 107)
ـ وقال أيضاً: "إنّ الديـن ليـس بالطنـطنة من آخر الليل، ولكن الدين الورع" (الزهد لابن حنبل، 125)
ـ ورُوي عن عبدالله بن عمرـ رضي الله عنهما ـ أنّه قال: "إنّى لأُحبّ أن أدع بيني وبين الحرام سترة من الحلال لا أخرقها" (جامع العلوم والحكم، 74)
ـ وقال أبو الدرداء : "تمام التقوى: أن يتقي الله العبد حتى يتقيه من مثقال ذرة، وحتى يترك بعض ما يرى أنه حلال خشية أن يكون حراماً؛ حجاباً بينه وبين الحرام"(جامع العلوم والحكم، 74)
ـ وعن أبيّ بن كعب قال: "ما من عبد ترك شيئا لله، إلا أبدله الله به ما هو خير منه، من حيث لا يحتسب. وما تهاون به عبد، فأخذه من حيث لا يصلح، إلا أتاه الله بما هو أشد عليه منه من حيث لا يحتسب" (الزهد لابن السري، 2/466)
ـ وروي عن عبادة بن الصامت أنه قال: "إنّكم لتعملون أعمالاً هي أدقّ في أعينكم من الشعر، إنْ كنّا لنعدّها على عهد رسول الله من الموبقات، أو من الكبائر". قال: قلت لأبي قتادة: فكيف لو أدرك زماننا هذا؟ قال: كان لذلك أقْوَل (الزهد لابن المبارك، 60)
ـ وعن عائشة رضي الله عنها قالت : "إنّ الناس قد ضيّعوا أعظم دينهم: الورع" (مصنف ابن أبي شيبة برقم 34742، 7/131)
ـ وكان مطرّف بن عبد الله يقول: "إنّك لتلقى الرجلين: أحدهما أكثر صلاة، وصوماً، وصدقة. والآخر أفضل منه بوناً بعيداً. قيل له: كيف ذاك؟ قال: لأنه أشدّ ورعاً لله عزّ وجلّ عن محارمه" (الزهد لابن حنبل، 240)
ـ اجتمع يونس بن عبيد، وحسان بن أبي سنان، فقال يونس: "ما عالجت شيئا أشدّ عليّ من الورع". فقال حسان : "ما عالجـت شيئا أهـون عليّ منه". قال:كيف؟ قال حسان: "تركت ما يريبني إلى ما لا يريبني، فاسترحت"(فتح الباري، 4/293)
ـ قال شريح لرجل:  "يا عبد الله دع ما يريبك إلى ما لا يريبك؛ فوالله لا تجد فَقْدَ شيء تركته لله" (مصنف عبد الرزاق برقم 20619، 11/308 )
ـ وقال الضحاك : "أدركنا أصحابنا وما يتعلمون إلا الورع".(مصنف ابن أبي شيبة برقم 34950، 7/157)
ـ عن ابن طاووس، عن أبيه، قال: "مثل الإسلام كمثل شجرة: فأصلها الشهادة، وساقها كذا - شيئاً سماه - وثمرها الورع، ولا خير في شجرة لا ثمر لها، ولا خير في إنسان لا ورع له" (مصنف عبد الرزاق برقم 20202، 11/161)
ـ وقال الفضيل: "يزعم الناس أن الورع شديد! وما ورد عليّ أمران إلا أخذت بأشدّهما، فدع ما يريبك إلى ما لا يريبك" (جامع العلوم والحكم، 110)
ـ قال بشر بن الحارث: "ما ينبغي للرجل أن يشبع اليوم من الحلال؛ لأنه إذا شبع من الحلال، دعته نفسه إلى الحرام" (الورع لابن حنبل، 7)
ـ قال ميمون بن مهران: "لا يسلم للرجل الحلال؛ حتى يجعل بينه وبين الحرام حاجزاً من الحلال"  (جامع العلوم والحكم ، 47)
ـ قال سفيان بن عيينة : "لا يصيب العبد حقيقة الإيـمان ؛ حتى يجعل بينه وبين الحرام حاجزاً من الحلال، وحتى يدع الإثم، وما تشابه منه" (الورع لابن حنبل، 50)
ـ سُئل الجنيد عن القلب، ما يفسده؟ قال: "الطمع". قيل: فما يصلحه؟ قال: "الورع". (الزهد الكبير، 85)
ـ قال رجل ليونس بن عبيد: أخبرني، ما غاية الورع؟ قال: "محاسبة النفس مع كل طَرفة، والخروج من كل شبهة" (الزهد الكبير، 314)
ـ قال سفيان الثوري: "عليك بالزهد؛ يبصّرك الله عورات الدنيا، وعليك بالورع؛ يخفّف الله حسابك. ثم دع ما يريبك إلى ما لا يريبك. وادفع الشك باليقين يسلم لك" (الزهد الكبير، 315)
ـ قال محمد بن المبارك لراهب: "ما علامة الورع؟" قال: "الهرب من مواطن الشبهة" (الورع لابن أبي الدنيا،60)
ـ وقال الحسن البصري: "مازالت التقوى بالمتقين، حتى تركوا كثيرا من الحلال؛ مخافة الحرام" (جامع العلوم والحكم، 74)
ـ قال الخطابي: "كلّ ما شككت فيه فالورع اجتنابه" (فتح الباري، 4/292)
ـ وقال محمد بن واسع : "يكفـي من الدعـاء مع الـورع اليسير منه"(الورع لابن أبي الدنيا،125)

أيها القارئ الكريم ... أيتها القارئة الكريمة:
      في نهاية المطاف، وبعد أن اطّلعت على هذه المجموعة من التوجيهات النبوية، وأقوال الصحابة، وعلماء السلف، تعال معي نستعرض هذه الأسئلة، وحاول أن تجيب عنها، لتعرف موقع الورع في قلبك، ومكانته في نفسك، ومقدار استعدادك لتجنب الشبهات، والبعد عنها : 
هل أنت ممن يحرص على أن يستبرأ لدينه وعرضه، بالبعد عن الشبهات؟!
هل أنت من المتقين، الذين يَدَعون ما لا بأس به؛ حذراً مما به بأس؟!
هل أنت من الوَرِعين، الذين يتركون الأمر الصغير مخافة الوقوع في الكبير؟!
هل يوجد في قلبك ورع؛ تستكمل به إيمانك، ويحجزك عن محارم الله ؟!
هل أنت ممن يعمل بالقاعدة العظيمة، والفريدة : "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك" ؟!
ألا تريد أن تكون ورِعاً؛ فتكون أعبد الناس؟ وأن تحوز على خير الدين، وأعظمه؟!
إلى متى تريد أن ترتع إلى جوار حمى الله، ومحارمه؟ ألا تخاف أن تقع فيها؟!
ألا تريد أن تبتعد عن مواطن الشبهة، ومواضع الريبة، ومواقع التهمة؟!
هل أنت مستعد لأن تدع تسعة أعشار الحلال؛ مخافة الوقوع في الحرام؟
هل أنت مستعد لأن تضع بينك وبين الحرام حاجزاً من الحلال؟

      إذا أردت أن تعيش مطمئن النفس، مرتاح الضمير، هادئ البال، خالياً من الشك, والقلق، والحيرة. وإذا أردت أن تخفّف عن كاهلك الحساب، وتكون خفيف الحِمْل، قليل الذنوب، لتُجَاوِز الصراط، وتنجو من عذاب الجحيم. فالزم الورع في كل أمور حياتك، وابتعد عن الشبهات، ودع ما يريبك إلى ما لا يريبك، ولا ترعَ حول الحمى، واجعل بينك وبين الحرام حاجزاً من الحلال.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .