" إن لم يكن بدً من إغضاب الناس، أو إغضاب الله عز وجل، ولم يكن مندوحة عن منافرة الخلق، أو منافرة الحق، فأغضب الناس ونافرهم، ولا تغضب ربك، ولا تنافر الحق" ابن حزم : كتاب الأخلاق والسير

* أسـتـاذ الـجـامـعـة .. صفاته وأخلاقه

يتكون المجتمع من مجموعة من الفئات، والشرائح التي تتفاوت في عددها، وطبيعتها، وقدراتها، ويأتي أساتذة الجامعات في مقدمة هذه الفئات من حيث المستوى الثقافي، والموقع الريادي، والتأثير فيمن حولهم، كما أنهم يكوّنون جزءاً مهماً، وكبيراً من قادة الرأي، وُصنّاعه في المجتمع، وعلى الرغم من قلة عدد هذه الفئة إلا أنها تحظى باحترام كثير من فئات المجتمع الأخرى، وتقديرها، وهناك تركيز كبير، واهتمام واضح بما يصدر عن أفرادها من سلبيات، أو إيجابيات، مما جعلهم موضع نظر الناس، وانتقادهم بشكل دائم، والأنظار متجهة إليهم أكثر من غيرهم؛ بحكم الموقع الذي يعملون فيه، والعلوم والمعارف التي يحملونها، والمؤهلات العلمية التي حصلوا عليها، ومن الطبيعي أن يكون لهؤلاء الأساتذة أخطاؤهم، وتقصيرهم؛ فهم بشر كغيرهم، وليسوا بالأشخاص المقدسين، أو المعصومين من الوقوع في الخطأ الالتزام في أداء العمل، وهو أمر راجع إلى عدة أسباب من أهمها: ضعف الوازع الديني، وانعدام  الرقابة الذاتية، ومحاسبة النفس على تقصيرها لدى كثير من هؤلاء الأساتذة . 
وينبغي أن لا نغفل أن هناك انخفاضاً حصل في مستوى أساتذة الجامعات في السنوات الأخيرة سواء من الناحية العلمية، أم الانضباط في السلوك، أم
ومنها تفشي المجاملات والمحسوبية في تعيين المعيدين الجدد، وعدم التدقيق في الانتقاء، وعدم التشديد في تطبيق معايير الترشيح؛ وترتب على ذلك إعطاء هذه الوظيفة لمن لا يستحقها، واستبعاد من يستحقها مما نتج عنه بعد ذلك ظهور جيل من أساتذة الجامعات ليس في مستوى المسؤولية التي أنيطت به، ويعاني كثيراً من الخلل، والقصور العلمي، والسلوكي .
ومن الأسباب أيضا،ً شعور كثير من أساتذة الجامعة بالغبن، والإجحاف فيما يتعلق بانخفاض المرتبات التي تصرف لهم، وكونها لا تتناسب مع وضعهم الاجتماعي، ومصروفاتهم الكبيرة؛ فيضطرون إلى البحث عن  أعمال أخرى: استشارية، أو تجارية مما ينعكس على عملهم الأصلي في الجامعة، ويؤثر عليه، ويؤدي بالأستاذ إلى الغياب، أو التأخر عن المحاضرات، وعدم الاهتمام بالتحضير، والتهاون في تصحيح الامتحانات، وقراءة البحوث .
والمقصود بأستاذ الجامعة في هذه الوريقات كل من يُدرّس طلاباً، أو طالبات في المرحلة الجامعية، أو الدراسات العليا، سواء أكان هذا الأستاذ ذكراً أم أنثى، وسواء أكان هؤلاء الطلاب، أم الطالبات يدرسون في أقسام، أو كليات تابعة لجامعات، أو وزارات، أو مؤسسات حكومية، أو خاصة .
ولذلك فإن الكلام هنا موجه لجميع أساتذة الجامعات ذكوراً وإناثاً، في مختلف تخصصاتهم، ومواقعهم، ودرجاتهم الوظيفية، ورتبهم العلمية . 
وهناك مواصفات لأستاذ الجامعة،  وصفات يفترض أن تكون موجودة فيه، وأخلاق يجدر به أن يتحلى بها، وسأكون صريحاً في عرض هذه الصفات والأخلاق، والحديث عنها بكل شفافية، ووضوح، مع إيراد بعض الأمثلة الواقعية، والحقيقية، مما عايشته بنفسي، أو نُقل لي عن طريق أشخاص أثق في صدقهم .
وينبغي التأكيد هنا على أني لا أعدّ نفسي خالياً من النقائص، أو العيوب، أو أني فوق النقد، والتقويم، وإنما أنا واحد من أساتذة الجامعات؛ ينطبق عليّ ما ينطبق عليهم، ويقال في حقي ما يقال في حقهم، بل أنا مطالب قبل غيري بالالتزام بكل صفة، أو خلق دعوت إلى التحلي به، والابتعاد عن كل صفة، أو خلق دعوت إلى التخلي عنه .
وهناك تداخل بين ما سأورده من صفات وأخلاق، وقد أتحدث عن بعضها تحت عنوان عام ثم أفردها بعد ذلك بالحديث تحت عنوان مستقل؛لأهميتها، والحاجة إلى الحديث عنها بشيء من التفصيل .  
ويمكن عرض هذه الصفات، والأخلاق المطلوبة في أستاذ الجامعة على النحو التالي :

أولاً : الإخلاص في العمل وإتقانه 
        يقول صلى الله عليه وسلم : "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه"[1] ومن إتقان أستاذ الجامعة لعمله أن يحرص على  التحضير، والإعداد الجيد لدروسه، ومحاضراته، والتمكن من عناصرها، وعليه أن يعلم جيداً أن طالب المرحلة الجامعية ليس كغيره من طلاب المراحل الدراسية السابقة، وأن لديه القدرة على معرفة المدرس المتمكن من مادته من غير المتمكن،  ولديه القدرة على معرفة فيما إذا كان الأستاذ قد حضّر لهذا الدرس جيداً أم لا، ولديه القدرة أيضاً على معرفة الأساليب التي قد يلجأ إليها بعض الأساتذة لتضييع وقت المحاضرة، وتغطية نقصه، وستر عيوبه.
ومن مظاهر الإخلاص في حق أستاذ الجامعة أن يعوّد نفسه على الانضباط؛ بأن يحرص على عدم الغياب عن محاضراته إلا في الظروف القاهرة، وأن يكون موجوداً في المحاضرة من أولها، وقد نلتمس العذر للأستاذ الذي كان بعيداً عن موقع المحاضرة وقت بدايتها، أما أن تكون هذه عادته، وهذا ديدنه في جميع الأحوال، وفي كل الظروف، حتى وهو موجود على مقربة من قاعات المحاضرات، وفي نفس المبنى، فيتشاغل بالحديث مع الآخرين، أو بالمرور على مكاتب الموظفين، أو بإنجاز بعض مصالحه، وهو يعلم أن وقت المحاضرة قد بدأ، فهو تصرف غير مقبول، ولا أجد لصاحبه عذراً.
  وعلى الأستاذ أيضاً أن لا يزيد على الوقت المحدد للمحاضرة بالاستقطاع من وقت الطلاب، أو من المحاضرة التي تليها؛ فإنهاء المحاضرة قبل وقتها تعدٍّ على حق الجامعة، والاستمرار فيها بعد انتهاء وقتها تعدٍّ على حق الطالب، وعلى حق الأستاذ الآخر في حال وجود محاضرة بعدها.
وينبغي له أن يحرص على عدم إضاعة وقت المحاضرة في أمور جانبية، وقضايا خارجية، وموضوعات لا علاقة لها بالمحاضرة، ومنهج المادة، وهناك من الأساتذة من  يأتي إلى المحاضرة، ولم يحضّر شيئاً للحديث عنه، فلا يكون لديه ما يقوله أصلاً، أو أنه يخرج كل ما في جعبته، وينثر جميع ما في كنانته في دقائق معدودة، ولا يملك الجرأة على الأذن للطلاب بالانصراف، فيلجأ إلى تمضية الوقت المتبقي من المحاضرة في الدردشة، والحكايات، ومناقشة نتائج المباريات، والتعليق على برامج التلفاز.
        وينبغي لأستاذ الجامعة  أن يكون دقيقاً في قراءة ما يطلبه من الطلاب من بحوث، أو واجبات، وإلاّ فلا داعي لتكليف  الطلاب بهذه البحوث، أو الواجبات إذا كان لن يطّلع عليها، ولن يتمكن من قراءتها؛ فليس الهدف من المطالبة بهذه الأشياء منحصراً في معرفة من قدّم ومن لم يقدّم ؟ وإنما يتحقق الهدف بمعرفة مدى فهم الطالب لما درس، ومدى استفادته مما سمع وقرأ فيما  كتب، ولذلك نجد كثيراً من الطلاب يراعي فيما يقدمه الكمّ لا الكيف،  فيحرص على عدد الصفحات أكثر من مضمونها؛ لعلمه سلفاً أن الأستاذ لا يقرأ،  فلماذا يتعب نفسه، ويضيع وقته ؟
وعليه أيضاً أن يكون دقيقاً في تصحيح ما يجريه للطلاب من اختبارات؛ سواء كانت لأعمال الفصل، أم اختبارات نهائية، وأن يعلم أن قراءة إجابات الطلاب، وإعطاء كل ذي حق حقه أمر ليس بالسهل، وأنه أمانة كبيرة، وحمل ثقيل لا ينبغي التساهل فيه، أو التعامل معه بتوزيع الدرجات عشوائياً[2]، أو حسب المزاج، أو الهوى، أو بإسناد التصحيح إلى أشخاص آخرين.[3]
وعلى أستاذ الجامعة أن يعطي عمله الأصلي حقه من الاهتمام، وأن لا يسمح للأشغال الخارجية، والأعمال الخاصة بالتأثير في عمله الأصلي؛ فكثيراً ما تؤدي هذه الأمور إلى غياب الأستاذ عن محاضراته، وساعاته المكتبية، أو تساهله في التحضير للمواد التي يُدرّسها، أو عدم قراءته للبحوث، أو الواجبات التي يطالب الطلاب بإعدادها،  أو عدم دقته في تصحيح ما يجريه للطلاب من اختبارات.

ثانياً: قوة الشخصية والقدرة على ضبط الطلاب
من الصفات المهمة التي يفترض أن تكون موجودة في أستاذ الجامعة؛ أن يكون قوي الشخصية قادراً على ضبط الطلاب في أثناء المحاضرات، وبصفة خاصة في القاعات الكبيرة التي تستوعب أعداداً كبيرة، فطلاب المرحلة الجامعية أكبر سناً من طلاب المراحل السابقة، وإذا لم يتمتع الأستاذ بشخصية قوية، وقدرة على ضبطهم، فإن هيبته عندهم تزول، وإذا زالت هيبة الأستاذ، وشعر الطلاب أن شخصيته ضعيفة أساؤوا الأدب معه، وقلّ احترامهم له، وتجرؤا على دروسه، ومحاضراته بالتشويش، والمقاطعة، ورفع الصوت، والنوم، والحديث مع زملائهم، وقراءة الصحف والمجلات، أو الكتب التي لا علاقة لها بالمادة، والحديث بأجهزة الجوال. وقد مرّ بي أثناء دراستي في المرحلة الجامعية نوعيات من الأساتذة من ذوي الشخصيات الضعيفة ممن كان الطلاب لا يلقون لهم بالاً، ولا يحسبون لهم حساباً، وهم عاجزون تماماً عن اتخاذ أي موقف من هؤلاء الطلاب، وقد بلغ الحال ببعض الطلاب سيئي السلوك أنهم كانوا يدخلون إلى القاعة، أو يخرجون منها في الوقت الذي يشاؤون دون استئذان من الأستاذ، وكانوا يجعلون من الأستاذ مثار تعليق، وسخرية، واستهزاء، وتنكيت أمام زملائهم، وفي أثناء الامتحانات كانوا لا يترددون في الغش، وفتح الكتب، والنقل منها، وتبادل الأوراق، والأستاذ يعلم، ولكنه يتصرف وكأنه لم ير شيئاً، ولسان حاله يقول: لا أرى، لا أسمع، لا أتكلم ؛ لأنه لا يتجرأ على سحب أوراق الطلاب، أو اتخاذ قرار حازم معهم.
وعلى الأستاذ أيضاً أن يكون منتبهاً للأساليب التي يلجأ إليها بعض الطلاب لإضاعة وقت المحاضرة؛ عن طريق إثارة بعض الموضوعات، وطرح الأسئلة التي تخص أموراً لا علاقة لها بالمادة، ومنهجها، ولا مانع من الاستفادة من الدقائق الأخيرة في المحاضرة ـ في حال الانتهاء من موضوعاتها ـ في الحديث عن بعض القضايا، والموضوعات التي تهم الطلاب، وتفيدهم، أو التي يحتاجون فيها إلى التوجيه، والنصيحة.


ثالثاً :  التحلي بالأخلاق الفاضلة
ينبغي لأستاذ الجامعة أن يكون قدوة لطلابه في التحلي بالأخلاق الفاضلة، والسلوكيات الحميدة بصفة عامة، وأن يبتعد عن كل خلق ذميم، أو فعل شائن قبيح؛ فهو عرضة للملاحظة، والانتقاد أكثر من غيره، والأنظار متجهة إليه دائماً ترصد وتتابع تصرفاته، وسلوكياته داخل الجامعة، وخارجها، وقد تصدر بعض السلوكيات من أشخاص آخرين فيتم التجاوز عنهم، وعدم التوقف عند أخطائهم، ولكن الأمر مختلف بالنسبة لأستاذ الجامعة حيث تُضخّم أخطاؤه، ويُبالَغ في تصويرها، ولا يُغفر له ما يُغفر لغيره.  
ومن الأخلاق الفاضلة التي يفترض أن تكون موجودة في أستاذ الجامعة : الصدق، والحلم، والصفح، ولين الجانب، والوفاء بالوعد والعهد، وإفشاء السلام، وطلاقة الوجه، والتبسّم، وتحمّل أخطاء الطلاب، وزلاّتهم في حدود المسموح به تربوياً، وعدم استخدام الألفاظ الفاحشة، والبذيئة، أو ازدراء الطلاب، وتحقيرهم، أو سبهم، وشتمهم .
وإن ابتلي الأستاذ بالوقوع في بعض المعاصي؛ كالتدخين مثلاً  فعليه أن يحرص على الاستتار به، وعدم تعاطيه أمام طلابه؛ حتى لا تهتز صورته عندهم، ويسقط في عيونهم.


رابعاًً : التواضع لزملائه وطلابه

من الصفات الجميلة، والأخلاق الفاضلة التي ينبغي لأستاذ الجامعة أن يتحلى بها؛ صفة التواضع في تعامله مع زملائه، وطلابه، وقد حث الإسلام على التواضع، ورغّب فيه، وأثنى على المتواضعين، ووعدهم بالثواب الجزيل؛ يقول الله عز وجل â ôÙÏÿ÷z$#ur y7yn$uZy_ tûüÏZÏB÷sßJù=Ï9 ÇÑÑÈ         [4]áويقول :  "وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله"[5] ويقول أيضاً : "إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على، ولا يبغي أحد على أحد" [6]  كما حذّر الإسلام من الكبر، وشدّد في تحريمه، وتوعد المستكبرين بالعقاب الشديد؛ قال تعالى â Ÿwur Ä·ôJs? Îû ÇÚöF{$# $·mttB ( y7¨RÎ) `s9 s-̍øƒrB uÚöF{$# Æs9ur x÷è=ö6s? tA$t6Ågø:$# ZwqèÛ ÇÌÐÈ á [7] ويقول : " الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني واحداً منهما قذفته في النار"[8]  ويقول أيضاً : " ألا أخبركم بأهل النار؟ كل عتلّ جوّاظ مستكبر" [9] وكذلك قوله  : "لا يزال الرجل يذهب بنفسه حتى يكتب في الجبارين، فيصيبه ما أصابهم" [10]
ومع كل ما تحويه هذه النصوص وغيرها من دعوة إلى التواضع، وتحذير من الكبر، إلا أن هناك من أساتذة الجامعة من يفتقد خلق التواضع، وتظهر على سلوكياته، وعلاقته بزملائه، وطلابه بعض علامات الكبر، والغرور، ومظاهر العجب بالنفس[11].   
وقد يكون هذا التكبّر راجعاً إلى ما يشعر به هذا الأستاذ من مكانة ومنزلة، وما وصل إليه من درجة علمية، وأنه شخص مختلف عن الناس، ويتمتع بمزايا، ومواصفات غير موجودة فيهم، ولمثل هذا الأستاذ نقول: اعلم أنه مهما بلغت منزلتك، ومهما ارتفعت درجتك العلمية، ووصلت إلى مرتبة (الأستاذ الدكتور) فإنها لا تساوي شيئاً  إلى جوار مرتبة ( النبي الرسول ) التي وصل إليها ونالها (باستحقاق) رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وكان بالإضافة إلى ذلك أفضل خلق الله على الإطلاق، وسيد الأنبياء والمرسلين، وإمامهم، وقد بلغ الكمالَ في كل شيء، وجمع المجد من أطرافه، وليس بين مليارات البشر الذين خلقهم الله عز وجل، وسيخلقهم منذ آدم عليه السلام إلى أن تقوم الساعة من هو أعزّ عليه، وأكرم عنده منه صلى الله عليه وسلم، وكان يقول : " أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، ولا فخر، وبيدي لواء الحمد، ولا فخر، وما من نبيٍّ يومئذ ـ آدم فمن سواه ـ إلا تحت لوائي، ولا فخر"[12]  ومع ذلك فقد كان صلى الله عليه وسلم في قمة التواضع، وكان الرجل الغريب إذا دخل عليه وهو بين أصحابه لا يستطيع تمييزه من بينهم فيقول:  أيّكم محمد ؟ ومع أنه صلى الله عليه وسلم كان متميزاً على جميع أصحابه، ويملك كل مؤهلات التميّز: خَلقاً وخُلقاً، علماً وعملاً، فضلاً ومكانة، إلا أنه كان يكره أن يتميز عليهم، ويرفض أن يعاملوه معاملة خاصة؛ كما يؤكد ذلك الحديث النبوي الذي ورد فيه  أنه صلى الله عليه وسلم "كان في سفر فأمر بإصلاح شاة، فقال رجل : يا رسول الله عليّ ذبحها، وقال آخر: عليّ سلخها، وقال آخر : عليّ طبخها، فقال صلى الله عليه وسلم : وعليّ جمع الحطب، فقالوا: يا رسول الله نحن نكفيك، فقال : قد علمت أنكم تكفوني، ولكني أكره أن أتميز عليكم؛ فإن الله يكره من عبده أن يراه متميزاً بين أصحابه، وقام فجمع الحطب" [13]
وكانت المرأة، أو الطفل يستوقفانه صلى الله عليه وسلم في طرقات المدينة فلا يأنف، أو يتضجر، أو يتبرم، وقد يأخذان بيده صلى الله عليه وسلم ليقضي لهما حاجة، فيذهب معهما غير كاره، أو متأفف،  فلماذا يأنف أستاذ الجامعة من استيقاف الطلاب له، أو مراجعته في مكتبه؛ لسؤاله عن بعض الأمور، أو لمناقشته في بعض القضايا، أو لمراجعته في بعض الدرجات التي حصلوا عليها في اختباراتهم، أو بحوثهم ؟ ولماذا يعتبر بعضهم نفسه فوق الخطأ، وفوق المراجعة؟ ولماذا يصرّ بعضهم  على أن القرارات التي اتخذها لا يمكن إلغاؤها، أو التراجع عنها، وأن الدرجات التي رصدها غير قابلة للمراجعة، أو التعديل؟
وإن كان تكبّر أستاذ  الجامعة بسبب العلم الذي حصل عليه، فإن العلم الحقيقي، والازدياد منه، والتعمق فيه، يقود إلى التواضع، ويوصل إليه، وفي العبارات المأثورة "العلم ثلاثة أشبار: من دخل في الشبر الأول تكبّر، ومن دخل في الشبر الثاني تواضع، ومن دخل في الشبر الثالث عَلِم أنه لم يعلم شيئاً"[14]  فَعَلامَ ؟ وإلامَ يُصرّ كثير من أساتذة الجامعة على عدم تجاوز الشبر الأول ؟ وما أجمل أن يردد أستاذ الجامعة قول الشاعر :
   أدّبني الدهر فأراني نقص عقلي        كلما ازددت علماً ازددت علماً بجهلي


خامساً: الأمانة العلمية في النقل والاقتباس
        من الأمور ذات الصلة الوثيقة بخلق الأمانة؛ ما يتعلق بالأمانة العلمية في النقل، والاقتباس، فالكتابة، والبحث العلمي أمران لا ينفكان عن أستاذ الجامعة، ولا يمكن له أن يظل بعيداً عنهما، وهذان الأمران يعتمدان على الاطلاع على أفكار الآخرين، وقراءة كتاباتهم، والنقل، والاقتباس منها، ولذلك فلا بد أن يكون أستاذ الجامعة أميناً فما ينقل، ويقتبس، وأن يسند الأفكار إلى أصحابها، ويوثّق ما ينقله من أقوال الآخرين؛ بذكر المصادر التي رجع إليها، ونقل منها، فما يورده في كتاباته لا يخلو من أمرين: إما أن يكون من كلامه، أو يكون من كلام غيره، وعدم توثيقه لكلام الآخرين، وإهماله لذكر المصادر التي نقل منها ـ سهواً أو عمداً ـ يؤدي عند القارئ إلى نتيجة واحدة؛ وهي أنه ينسب هذه الأفكار، والمعلومات إلى نفسه سواء صرّح بذلك، أم لم يصرّح. يقول الإمام النووي رحمه الله : " ومن النصيحة أن تضاف الفائدة التي تستغرب إلى قائلها؛ فمن فعل ذلك بورك له في علمه، وحاله، ومن أَوهَم فيما يأخذه من كلام غيره أنه له فهو جدير أن لا يُنتفع بعلمه، ولا يُبارك له في حاله، ولم يزل أهل العلم، والفضل على إضافة الفوائد إلى قائلها، نسأل الله تعالى التوفيق لذلك دائماً "[15]
        وهناك موضوع متصل بالتأليف؛ يتمثل في الأساليب التي يستخدمها بعض أساتذة الجامعات في الإشارة إلى منصبه وقت إعداد الكتاب، وإثباته على الغلاف؛ كأن يقول : عميد كلية كذا، أو رئيس قسم كذا، والذي أراه أن يكتفي الأستاذ بإيراد اسمه فقط ودرجته العلمية، وتخصصه، دون إشارة إلى منصبه لأن المناصب الجامعية غير ثابتة، ويتغير موقع الأستاذ، ومنصبه بشكل دائم، ولا يبقى في الموقع نفسه، أو المنصب سوى فترات محدودة، أما الكتب فتبقى في الأسواق، وعلى أرفف المكتبات سنوات  طويلة، وقد تجد كتاباً مذكوراً على غلافه أن مؤلفه عميد كلية كذا، بينما يكون هذا المؤلف قد ترك هذا المنصب منذ عشرات السنين، وربما تركه بعد نشره لكتابه بأسابيع .
ومما يدعو للاستغراب بشكل أكبر ما تراه على أغلفة بعض الكتب من عبارات تشير إلى المناصب السابقة لأصحابها؛ مثل: عميد كلية الآداب سابقاً، أو أستاذ التاريخ في جامعة أم القرى سابقاً، وما إلى ذلك من العبارات التي ليس من المناسب، ولا من اللائق بأستاذ الجامعة أن يبقى حريصاً على التمسك بها، والإشارة إليها، وإلصاقها باسمه بمناسبة، وبغير مناسبة .

سادساً : توثيق العلاقة بزملائه وإحسان الظن بهم   
        ينبغي لأستاذ الجامعة أن يحرص على إشاعة جو من الألفة، والمودة، والعلاقة الأخوية الحميمة مع زملائه، وأن يحسن الظن بهم، وبما يصدر منهم من أقوال، أو أفعال، ومما أُثر عن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله: " لا تظنن بكلمة خرجت من أخيك سوءاً، وأنت تجد لها في الخير محملاً " وعليه أن يبتعد عن كل ما يسيء إلى هذه العلاقة، أو يفسدها، أو يوتّرها، أو يكدّرها، كالغيبة، والنميمة، والسعي بالوقيعة بينهم، أو الدس، والكيد لبعضهم، والوشاية بهم، أو استخدام الطلاب وسيلة لاختبار زملائه عن طريق إلقاء بعض الأسئلة عليهم في أثناء المحاضرات؛ بهدف التعرف على أفكارهم، أو مواقفهم من قضايا معينة، وإن بلغه عن أحد زملائه أنه يتكلم فيه، أو يذكره بسوء فعليه أن يتأكد مما بلغه، ويتثبت منه قبل الحكم على زميله، أو أخذ موقف منه؛ فكثيراً ما يعمد ناقلو الكلام، والوشاة إلى الكذب، والاختلاق, و التضخيم، و التشويه رغبة في الإفساد، والقطيعة، وقد يكون من المناسب في بعض الحالات مصارحة الزميل بما نُقل عنه، أو مواجهته بالناقل ليظهر الصادق منهما من الكاذب. وأسلوب المواجهة من أنجع الأساليب في لجم الوشاة، وناقلي الكلام، وإيقافهم عند حدهم؛ لأنهم إذا علموا أنك ستواجههم بالطرف الآخر، فإنهم سيترددون كثيراً في المستقبل قبل أن يقدموا على نقل كلام، أو الوشاية بشخص.   
وعلى أستاذ الجامعة أيضاً أن لا يعطي الطلاب فرصة للإيقاع بينه وزملائه بإثارة الموضوعات التي تتعدد فيها وجهات النظر، وله فيها رأي مخالف لآرائهم، وفي حال إثارتها فعليه أن يراعي آداب الاختلاف، وأن يكون تركيزه على عرض وجهة نظره، وأدلته، وموقفه من الآراء الأخرى، ومآخذه عليها دون التعرض لشخص زميله المخالف، أو تسفيه رأيه، أو نعته بصفات، أو ألفاظ غير لائقة .

سابعاً : عزة النفس والاستغناء عن الطلاب وخدماتهم
يجدر بأستاذ الجامعة أن يكون عزيز النفس، وأن يربأ بنفسه عن استغلال طلابه لخدمته، أو لقضاء مصالحه الشخصية في الإدارات الحكومية، أو المستشفيات، أو المطارات، أو البنوك، أو غيرها من الجهات التي يكون له حاجة فيها، أو تكليفهم بجمع معلومات، أو إعداد بحوث صغيرة؛ ليستفيد منها بعد ذلك في أبحاثه، وكتبه، أو تكليفهم بملء استبانات تخص الأبحاث الميدانية التي يقوم بإعدادها، وعليه أن يعتذر عن قبول الهدايا التي تقدّم له من طلابه، ويرفض عروض الخدمات التي تنهال عليه منهم، وإذا كان قبول الهدايا مرفوضاً فيكون من باب أولى الامتناع عن أخذ الرشوة أو طلبها.  
ومن الخيانة للأمانة أن يعمد الأستاذ إلى مكافأة طلابه على ما قدموه له من خدمات شخصية؛ بإعفائهم من حضور المحاضرات، أو بمنحهم درجات لا يستحقونها، أو بضمان النجاح لهم في نهاية الفصل[16].
وإذا كان من غير اللائق إجبار الأستاذ طلابه على شراء أحد كتبه بعد أن جعله مرجعاً وحيداً للمادة مع كون هذا الكتاب ذا صلة وثيقة بالمادة، ومنهجها، فكيف يكون الأمر؟ وكم تكون درجة القبح عندما يجبرهم على شراء كتبه التي لا علاقة لها بالمادة التي يدرسونها معه لا من قريب، ولا من بعيد والتي تباع في مكتبات محددة، وبأسعار مرتفعة ؟ [17]

      ثامناً : البقاء على صلة وثيقة بالتخصص والتعمق فيه
يتوقف بعض أساتذة الجامعة ـ بعد حصوله على الدرجات العلمية ـ عن القراءة في تخصصه، وزيادة التّبحر، والتعمق فيه، ويزهد في اقتناء ما يصدر من كتب جديدة ذات صلة  بتخصصه، أو حتى في الاطلاع عليها، والأصل في أستاذ الجامعة أن يبقى على صلة وثيقة بتخصصه، وأن يزداد فيه بمضي الأيام تعمقاً، وتبحراً. وقد روُي عن سعيد بن جبير رحمه الله قوله : "لا يزال الرجل عالماً ما تعلّم، فإذا ترك التعلم، وظن أنه قد استغنى واكتفى بما عنده فهو أجهل ما يكون"[18]  وفي التخصصات المتجددة التي تتغير، وتتطور بصفة منتظمة، وتتأثر بما يحدث من اكتشافات، ومخترعات، وما يوضع من نظريات جديدة ؛ يصبح من المتحتم على أستاذ الجامعة أن يكون متابعاً لما يستجد في تخصصه، وما يصدر فيه من كتب جديدة، وما ينشر في الدوريات العلمية من بحوث، وملخصات، وما يُعقد حوله من ندوات، ومؤتمرات .
وعلى أستاذ الجامعة أيضاً أن يحرص على تنويع المواد التي يقوم بتدريسها؛ بحيث لا يبقى سنوات طويلة يُدرّس مواد محددة، وإنما يسعى بين فترة وأخرى إلى تدريس مواد لم يُدرّسها في السابق؛ ليستفيد من ذلك في التوسع في القراءة، وزيادة الاطلاع .
وعلى الأقسام العلمية أن تسعى لتحقيق هذا الأمر أثناء توزيع المواد الدراسية بين أساتذة القسم، وأن تحرص على عدم إبقاء المادة مع الأستاذ نفسه فترة طويلة، وإنما تنقلها إلى أستاذ آخر.


      تاسعاً : أن تكون لديه ثقافة شرعية جيدة
وهذا يخص الأستاذ المتخصص في غير التخصصات الشرعية، والذي يفترض أن يكون على إلمام جيد بأصول الدين الأساسية، وأن تكون لديه ثقافة شرعية جيدة تسعفه في الإجابة عن بعض الأسئلة التي قد تطرح أثناء المحاضرات، وتنقذه في المواقف المحرجة التي قد يتعرض لها، وتحميه من أن يكون عرضة للتندر من زملائه، وطلابه [19] .
 كما يفترض في أستاذ الجامعة أن يكون مجيداً لتلاوة القرآن الكريم، فكثيراً ما يحتاج إلى الاستشهاد بالآيات القرآنية في محاضراته، ودروسه، أو في أثناء ظهوره في وسائل الإعلام، أو في أثناء إلقائه لكلمة في احتفال، أو مناسبة رسمية؛ إذ ليس من اللائق بأستاذ الجامعة أن يخطئ في تلاوة آية قرآنية[20].
ومن الغريب المستنكر أن تجد من المتخصصين في العلوم الشرعية من لا يجيد تلاوة القرآن الكريم فضلاً عن حفظه، ويعتذر عن تدريسه، وهذا خلل فاضح، ونقص كبير ينبغي تداركه ممن يعاني منه .

عاشراً : الإلمام بقواعد اللغة العربية الأساسية
ينبغي لأستاذ الجامعة أن يكون لديه إلمام جيد بالقواعد الأساسية للغة العربية فيما يتعلق بالنحو، والصرف، والإملاء، فعمل أستاذ الجامعة يقوم على التحدث، والكتابة؛ وليس من المناسب، ولا من المقبول أن يقع في الأخطاء النحوية الفاحشة فيما يتكلم به في محاضراته ودروسه، أو فيما يكتبه في مؤلفاته ومقالاته، أو يستخدم أساليب ركيكة، أو عبارات غير مفهومة، أو يقع في أخطاء إملائية فادحة. وإذا كان من السهل على أستاذ الجامعة تدارك الأخطاء فيما يكتبه؛ بعرضه على من يصححه له لغوياً، فإن الأمر يصبح مكشوفاً، ولا يمكن تداركه، وعلاجه عندما يتعلق الأمر بالحديث الشفهي في أثناء تدريسه لطلابه، أو في المحاضرات العامة التي يلقيها، أو الندوات التي يشارك فيها، أو الرسائل العلمية التي يناقشها أمام الجمهور، أو البرامج الإذاعية، أو التلفازية التي يقدّمها، أو يُدعى للمشاركة فيها .


حادي عشر : الاستفادة من التقنيات الحديثة
من المهم لأستاذ الجامعة أن تكون لديه القدرة على الاستفادة من الإمكانات غير المحدودة التي تقدمها التقنيات الحديثة ؛ فمن غير المقبول في هذا العصر أن لا يجيد أستاذ الجامعة التعامل مع الحاسب الآلي، والاستفادة من إمكاناته الضخمة، وبرامجه المتنوعة،  كما يفترض بأستاذ الجامعة أن يكون قادراً على الاستفادة من شبكة الإنترنت، وما تفتحه لمستخدمها من آفاق واسعة لا حدود لها، بالإضافة إلى استعانته ـ في محاضراته ودروسه ـ  بالوسائل، والتقنيات المستخدمة في العرض، والإيضاح، وإيصال المعلومة .

ثاني عشر :العمل على تدارك جوانب النقص والقصور التي يعاني منها 
يجدر بأستاذ الجامعة أن يعمل على تدارك، ومعالجة جوانب النقص، والقصور التي يعاني منها، والتي يعرفها في نفسه أكثر من أي شخص آخر، ويدخل ضمن هذه الجوانب ما ذكرناه سابقاً من الأمور المتعلقة بالجانب الشرعي، وقواعد اللغة العربية، واستخدامات الحاسب الآلي، ويضاف إليها ما يتعلق بإجادة اللغة الإنجليزية إذا كانت طبيعة التخصص تستدعي ذلك، وكذلك الجوانب المتعلقة بطرق التدريس، وبالذات بالنسبة للمعيدين الذين لم يدرسوا خلال دراستهم في المرحلة الجامعية أي مواد لها صلة بالتربية، وطرق التدريس، ولم يمارسوا خلال هذه المرحلة أي تدريب عملي على التدريس، ويجد الواحد منهم نفسه فجأة بعد تعيينه معيداً وقد أصبح مدرساً لطلاب في المرحلة الجامعية، وقد يكونون في مستويات متقدمة، أو على أبواب التخرج، ومنهم من هو أكبر سناً منه، ومنهم من كانوا زملاء له ولكنهم تعثّروا في دراستهم فتأخر تخرجهم؛ فيتعرض هذا المعيد لكثير من المواقف المحرجة، وقد يظهر عليه التّهيّب، والارتباك.
وينبغي هنا التأكيد على الكليات، والأقسام العلمية بأن لا تستعجل في تكليف المعيدين الجدد بالتدريس، وأن تسعى أولاً إلى تهيئتهم، وتأهيلهم، واستكمال جوانب النقص عندهم قبل البدء الفعلي بالتدريس، وقد يكون من المناسب أن يتم ذلك بشكل تدريجي، بدءًا من المستويات الدنيا، وأن يكون دورهم في البداية مقتصراً على مساعدة أعضاء هيئة التدريس في تدريس بعض الجزيئات، أو متابعة الطلاب .


[1] ) مجمع الزوائد، 4/98 .
[2]  ) أجاب أحد الطلاب عن سؤالين فقط من أسئلة الامتحان الأربعة ، وكان يتوقع الرسوب لأنه يستحقه ، ولكن مفاجأته كانت كبيرة عندما علم بنجاحه في هذه المادة ، أما المفاجأة الأكبر فكانت حصوله على درجة عالية وصلت إلى 95 من 100 أهّلته للحصول على تقدير ممتاز !! وفي الجانب الآخر، وفي الامتحان  نفسه، وعند الأستاذ نفسه؛ أجاب  أحد الطلاب الممتازين الذين يتجاوز معدلهم التراكمي الأربعة نقاط عن جميع الأسئلة، وكان واثقاً من إجابته، ومتأكداً من صحتها، ولكنه فوجئ بحصوله على 60 درجة فقط من 100، وذهب إلى الأستاذ لمراجعته في الدرجة ، وطلب منه أن يعيد النظر في الورقة؛ فقد يكون هناك خطأ  حصل في جمع الدرجات، أو في نقلها ، ولكن الأستاذ رفض هذا الطلب، وأسمع الطالب كلاماً قاسياً ، ولم يكتف بذلك بل طلب منه أن لا يدرس معه أي مادة في المستقبل !! وهذا الطالب نفسه حصل له موقف آخر مع مدرس القرآن الكريم؛ فقد كان هذا الطالب يحفظ السورة المقررة كاملة، وعندما حان موعد الامتحان، ودخل على الأستاذ ليمتحنه، قال له الأستاذ : أنت طالب ممتاز، ومعروف عندي، ولا داعي لتسميع شيء من السورة المقررة، يكفي أن تُسمعني سورة الإخلاص فقط ، فقرأ الطالب سورة الإخلاص ثم انصرف، وكانت الدرجة التي حصل عليها بعد ذلك 60 من 100 !! وإذا كان هذا حال مدرس القرآن الكريم، فكيف سيكون حال مدرسي بقية المواد ؟
وقد سمعت عن أشياء غريبة، وأساليب عجيبة يستخدمها بعض الأساتذة مع كراسات الطلاب، وهي أمور لا يقبلها عقل، ولا يمكن تصديقها، ولكن ورودها بشكل متواتر، ومن أكثر من مصدر، ومن أشخاص ثقات يجعل احتمال وقوعها، وحصولها أمراً ممكناً خاصة في هذا الزمن الذي لم تعد تستغرب فيه شيئاً ؛ فكل شيء ممكن الحدوث ، فقد بلغت الجرأة ببعض هؤلاء الأساتذة أن يتحدث بطريقة تعامله مع كراسات الطلاب على الملأ، ويذكرها لطلابه وزملائه؛ ومن هذه الأساليب قذف الكراسات في الهواء فمن وقعت ورقته على السرير فهو من الناجحين، ومن وقعت ورقته على الأرض فهو من الراسبين، أو من سقطت ورقته على جانبها العلوي فناجح ، ومن سقطت ورقته على جانبها السفلي فراسب !!

[3]  ) سمعت عن أستاذ متخصص في اللغة الإنجليزية يستعين بزوجته في تصحيح كراسات الطلاب، وهذه الزوجة ليس لديها أي علاقة بهذه اللغة سوى أنها كانت مرافقة لزوجها أثناء البعثة ، وقد يكون أمر الاستعانة بأشخاص آخرين مقبولاً في حالة كون الأسئلة مصممة بطريقة ( اختيار الإجابة الصحيحة ) أو (الصح والخطأ) ولكن الأمر غير مقبول في حالة أنواع الأسئلة الأخرى التي تتطلب من الطالب أن يكتب إجابته في عدة أسطر أو صفحات؛ فأستاذ المادة وحده هو الذي يعلم ما الذي درّسه للطلاب، وكيف درّسه لهم، وقد تكون هناك معلومات وأمور تحدّث عنها أثناء المحاضرات غير موجودة في الأوراق أو المراجع المقررة على الطلاب؛ ولذلك يصبح من الأمانة، والإخلاص في العمل أن يتولى الأستاذ تصحيح كراسات طلابه بنفسه مهما كانت كثيرة ، ومهما كان مشغولاً ، فظهور النتائج متأخرة ـ مع أخذ كل طالب حقه كاملاً ـ أفضل للأستاذ في دنياه، وآخرته من الاستعجال في إعلانها، وفيها ظلم لبعض الطلاب، أو إجحاف بحقهم، أو بخس لدرجاتهم . 

[4]  (  الحجر ، 88 .
[5]  ) مسلم ، ح 2588 .
[6]  ) مسلم ، ح 2865 .
[7]  ) الإسراء ،  37 .
[8]  ) أحمد ، ح 7376 . وأبو داود ، ح 4090 . وابن ماجه ، ح 4174 .
[9]  ) البخاري ، ح 5723 . ومسلم ، ح 2853 .
[10]  ) الترمذي ، ح 2000 .
[11]  )  حضرت موقفاً في إحدى الجامعات في دولة عربية كان فيه أحد أساتذة الجامعة عاتباً على أستاذ آخر، ومتضايقاً منه؛ لأنه اتصل على منزله في اليوم السابق ولمّا لم يجده طلب من أهله أن يخبروه إذا رجع بأنّ زميله فلان سأل عنه، وقال له وهو معترض ممتعض :  ليس لي زملاء إلا فلان وفلان وفلان، وذكر أسماء الذين يحملون نفس درجته العلمية من أساتذة الكلية!!  ورأيت أستاذاً لا يكتفي بكتابة درجته العلمية قبل اسمه فقط، وإنما  يحرص على كتابتها   قبل توقيعه أيضاً !! ورأيت أستاذاً آخر يطالب  بنقل مكتبه من الغرفة التي كان يشاركه فيها من هو أقل منه درجة علمية !!  وسمعت عن أستاذ عاقب طالباً بحسم مجموعة من درجاته في البحث الذي قدّمه؛ لأنه نسي كتابة الدرجة العلمية للمشرف قبل اسمه .
[12]  ) مسلم، ح 2278.  والترمذي، ح 3148 .
 ([13]  الزرقاني، شرح المواهب، 4/265.
[14] ) ابن جماعة : تذكرة السامع والمتكلم في آداب العالم والمتعلم ، (بيروت، دار الكتب العلمية) ص 190 .
[15]  )  زكريا بن شرف النووي : بستان العارفين ( القاهرة ، دار مصر للطباعة ) ص 28 .
[16]  ) أراد أحد الأساتذة السفر ولكنه لم يجد حجزاً، فاستعان بأحد الطلاب لحل هذه المشكلة، فقام هذا الطالب الشهم بتدبير حجز له عن طريق أحد معارفه في مكتب الخطوط، وعلى حساب راكب آخر تم  إلغاء حجزه ، وترتب على هذه الخدمة الكبيرة التي قدمها الطالب لأستاذه إعفاء  الطالب من حضور جميع محاضرات المادة ، وفي الاختبار النهائي حضر الطالب حتى لا يعدّ غائباً ، ولم يزد في إجابته عن إعادة  كتابة أسئلة المادة في ورقة الإجابة ، وحصل بعد ذلك على 80 درجة من 100 .
وفي حالة أخرى اكتشف أحد الأساتذة مصادفة أن أحد طلابه يعمل في المطار ، فعاتبه عتاباً شديداً على عدم إخباره بذلك من السابق ، ولم يرسب هذا الطالب في أي مادة درسها بعد ذلك مع هذا الأستاذ، وكان يحصل على درجات مرتفعة فيها اعترف الطالب بأنه لا يستحقها  .
[17]  ) أستاذ في إحدى الجامعات كان يطلب من طلابه أن يشتروا كتابين من كتبه لا علاقة لهما بالمادة  التي يُدرّسها لهم، وكان يطالبهم بإحضار هذين الكتابين معهم في كل محاضرة ، وكان يسأل عنهما في بداية المحاضرة ، وهذا الأستاذ ترك الجامعة بعد أن تم ترشيحه لمنصب كبير !!!
[18] ) ابن جماعة : تذكرة السامع والمتكلم، ص 28 .
[19] ) شاهدت أستاذاً بلغ في تخصصه أعلى الدرجات العلمية، ولكنه لم يكن يحسن الوضوء، وكان يقدّم بعض أعضاء الوضوء في الغسل على بعض.

[20]  ) ظهر أحد أساتذة الجامعة، وهو بدرجة ( أستاذ ) في الحضارة الإسلامية في أحد البرامج التلفزيونية ، وقد استشهد في أثناء كلامه بقول الله عز وجل {إنما يخشى اللـهَ من عباده العلماء } وقد قرأ لفظ الجلالة بالضمة { اللــهُ } وهذا خطأ فاحش يغير معنى الآية تغييراً كاملاً ، ويترتب عليه أن الله عز وجل هو الذي يخشى العلماء لا العكس .