" إن لم يكن بدً من إغضاب الناس، أو إغضاب الله عز وجل، ولم يكن مندوحة عن منافرة الخلق، أو منافرة الحق، فأغضب الناس ونافرهم، ولا تغضب ربك، ولا تنافر الحق" ابن حزم : كتاب الأخلاق والسير

* الحملات الانتخابية .. وتطيير الحمام

هناك مثل شعبي يقول: ( اللي عنده قرش محيّره .. يشتري حمام ويطـيّره ) وقد أصبح هذا المثل يتردد على لساني، وأتذكره بكثرة وأنا أتابع الحملات الانتخابية لمرشحي المجالس البلدية؛ أتذكره كلما قلّبت صفحات الجرائد، وتمعنت في الإعلانات الملونة التي تملأ هذه الصفحات، وقد يستأثر الإعلان الواحد منها بصفحة كاملة. وأتذكره كلما سرت في الشوارع، ومررت بجوار اللوحات الأرضية والسماوية والشاشات التلفازية. وأتذكره وأنا أمرّ بجوار المقرات الانتخابية، وأرى التجهيزات الهائلة، والاستعدادات الكبيرة. وأتذكره كلما سمعت في المجالس، وقرأت في الصحف عن تكاليف الحملات الانتخابية لبعض المرشحين، والمبالغ التي صرفوها. وأتذكره كلما سمعت عن الولائم الباذخة التي يقيمها بعض المرشحين لاستقطاب الناخبين. وأتذكره وأنا اقرأ عن مئات المرشحين الذين يتنافسون على مقاعد محدودة  في المجلس البلدي لا تتجاوز السبعة، ومع ذلك ينفقون بسخاء على حملاتهم الانتخابية، وكل واحد منهم يمنّي نفسه أن يكون أحد السبعة المبشرين بالمجلس البلدي .
       فإذا قلنا أن متوسط إنفاق كل مرشح من هؤلاء المرشحين على حملته الانتخابية خمسون ألف ريال ـ مع الأخذ في الاعتبار أن بعض المرشحين لا يشكل هذا المبلغ شيئاً يذكر من تكاليف حملته التي تصل إلى مئات الألوف وربما الملايين ـ  وإذا قلنا إن عدد المرشحين في مناطق المملكة المختلفة يصل إلى خمسة آلاف مرشح، فإننا نستطيع بعملية بسيطة أن نكتشف أن مجموع ما أنفقه هؤلاء المرشحون على حملاتهم الانتخابية يصل إلى مائتين وخمسين مليون، أي ربع مليار ريال بالتمام والكمال .
     ربع مليار ريال !! اشترى بها المرشحون أسراباً ضخمة من الحمام وطـيّروها، فملأت أجواء السماء، وسدّت الأفق، وجعلت الناظر إليها في حيرة وتساؤل: أأسراب حمامٍ هذه أم أسراب جراد؟ وكان الإمساك بهذه الأسراب الهائلة، والظفر بها من نصيب فئات بسيطة، وأعداد محدودة ممن تمتلك أدوات الإمساك، وشباك الصيد، تمثلت في أصحاب الجرائد، والمطابع، وشركات الدعاية والإعلان الذين تمكنوا من جمع كل الحمام، باستثناء أعداد قليلة منه وقعت في شباك أصحاب صالات الأفراح، ومحلات تأجير المخيمات وتجهيزاتها.
      ربع مليار ريال !! هذا المبلغ الضخم،كم من المشروعات المفيدة للمجتمع كان يمكن تنفيذها بهذا المبلغ ؟ كم من العاطلين من العمل كان يمكن تشغيلهم في هذه المشروعات؟ كم من المدارس كان يمكن تشييدها؟ كم من المراكز الصحية كان يمكن بناؤها؟ كم من المساجد كان يمكن تعميرها؟ كم من الحدائق العامة كان يمكن إنشاؤها؟ كم من الأسر الفقيرة كان يمكن سدّ فاقتها، وإعادة البسمة إلى شفاه أفرادها؟ كم من الأيتام كان يمكن كفالتهم، وتأمين العيش الرغيد لهم بقية حياتهم؟ وكم .. وكم .. وكم .
      نهى الله U عن التبذير {ولا تبذر تبذيراًً } ونهى النبي r في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن إضاعة المال . فإن لم يكن هذا الإنفاق داخلاً في التبذير الذي نهى الله U عنه، فما هو التبذير؟ وإن لم يكن هذا الإنفاق داخلاً في إضاعة المال التي نهى النبي r عنها، فما هي إضاعة المال؟
       وأخيراً  ( اللي عنده قرش محيّره ، يشتري حمام ويطيّره )