" إن لم يكن بدً من إغضاب الناس، أو إغضاب الله عز وجل، ولم يكن مندوحة عن منافرة الخلق، أو منافرة الحق، فأغضب الناس ونافرهم، ولا تغضب ربك، ولا تنافر الحق" ابن حزم : كتاب الأخلاق والسير

* تعددت الأسئلة .. والجواب واحد

 تدور في أذهان الناخبين وهم يستعرضون أسماء المرشحين في انتخابات المجالس البلدية مجموعة كبيرة من التساؤلات، وهم في حيرة من أمرهم؛ فالمرشحون كثيرون، والبرامج الانتخابية مليئة بالوعود، ولم تترك شيئاً إلا أتت عليه، ويتساءلون: من نرشح؟ ولمن نعطي أصواتنا؟
هل نصوّت للمرشح الذي ليست له أي خبرة في الأمور المالية والمحاسبية، ونحن نعلم أن من بين مهام المجلس البلدي ( مناقشة ميزانية البلدية والحساب الختامي والإيرادات والمصروفات وإدارة أموال البلدية) ، فهل يستطيع هذا المرشح أن يناقش هذه الموضوعات مع مسؤولي البلدية، ويبدي رأيه في الميزانيات والحسابات المالية، ويعرف جوانب القصور والخلل الموجودة فيها، فيقدّم اعتراضه عليها بناء على الفهم الصحيح، والإلمام الكامل بما يتحدث عنه، وبما يعترض عليه. 
أم نصوّت للمرشح الذي ليست له أي خبرة في الأمور الهندسية والتخطيط، ونحن نعلم أن من بين مهام المجلس البلدي (مناقشة مشروع المخطط التنظيمي للبلدية، ووضع اللوائح التنفيذية الخاصة بالشروط التخطيطية والتنظيمية) فكيف سيستطيع هذا المرشح مناقشة هذه الأمور مع مهندسي البلدية المتخصصين، وتقديم رأيه ووجهة نظره في ما تشتمل عليه من تفاصيل هندسية بحتة، وجوانب تخطيطية وتنظيمية لم يسبق له أن سمع بها .
أم نصوت للمرشح الذي لا يستطيع أن ينطق عبارة سليمة، أو يكتب جملة صحيحة، ويحتاج إلى من يكتب له، ويتحدث بالنيابة عنه، فكيف يستطيع هذا المرشح أن يمثلنا في المجلس البلدي، ويتحدث باسمنا، ويعرض مشاكلنا، ويقدّم مطالبنا مدعومة بالأدلة والبراهين، وموثقة بالأرقام والإحصاءات، ويدافع عنها بالمنطق القوي، والحجة الدامغة، ليتمكن من إقناع بقية أعضاء المجلس بأهميتها، وجدواها، فيحصل على دعمهم ،ويضمن موافقتهم .
أم نصوّت للمرشح الذي لم يحضر في حياته أي اجتماع ، ولا يعرف كيف تدار الأمور في مثل هذه المجالس، وكيف يتم عرض الموضوعات فيها، وليس له خبرات إدارية يستعين بها عند تقديم طلباته، وعرض مقترحاته، ولا يعرف الآلية المستخدمة في المناقشة والتصويت، ولا يدري بما يجري خلف الكواليس، وخارج قاعة الاجتماعات من مساومات ومحاولات لكسب الأصوات لضمان تمرير موضوع معين، والحصول على موافقة أغلبية أعضاء المجلس عليه، وسيجد نفسه في أحوال لا يحسد عليها، ومواقف لا يعرف كيف يتصرف فيها.  
أم نصوّت للمرشح الذي استنفر كل أفراد قبيلته، وجمعهم وقال لهم: إن المعركة مصيرية، ومسألة حياة أو موت، ولن نقبل بالهزيمة، وكل واحد منكم على ثغر، فالله الله أن تأتي الهزيمةمن قبله، ونخسر المعركة بسبب تخلفه عن التصويت، ولن نسمح لمنافسينا من القبائل الأخرى بالاستفراد بغنائم المجلس البلدي، والاستحواذ عليها ، ولا بد أن يكون لنا فيها سهم ونصيب.
أم نصوّت للمرشح الذي أحيل للتقاعد من عمله، وأصبح يشعر بوحدة قاتلة، وفراغ كبير، وانخفض دخله، وانفضّ عنه من حوله، فقال في نفسه: لم لا أترشح للمجلس البلدي، فأصيد مجموعة من العصافير بحجر واحد.
أم نصوّت للمرشح الذي لا يعلم شيئاً عن المجلس البلدي، ومهامه، وصلاحياته، وأعماله، ولكنه سمع الناس يقولون: إن عضو المجلس البلدي له مخصصات مالية مغرية، ويتمتع بمجموعة من المزايا فقال: لم لا يكون لي نصيب من كعكة المجلس البلدي.
أم نصوّت للمرشح الذي يسعى من وراء ترشيح نفسه إلى تحقيق مصالحه الشخصية، وله أهداف غير معلنة لا يعرفها الناخب، ولا يجدها في برنامجه الانتخابي، ولا يسمعها منه في أحاديثه، فإذا أعطيناه أصواتنا، وأوصلناه إلى المجلس البلدي، وبدأ في تحقيق أهدافه، وجني ثمار مصالحه الشخصية، تخلى عنّا و{ نسي ما كان يدعو إليه من قبل }.
أم نصوّت للمرشح الذي كان يفتقد الشهرة والوجاهة الاجتماعية، وقلبه معلق بها، ونفسه تتطلع إليها، وتتشوق إلى بريقها، ويريد أن يرى صورته في وسائل الإعلام، ويرغب أن يسمع اسمه يتردد على الألسنة، ويريد أن يجتمع بكبار المسؤولين، ويجلس مع الأعيان والوجهاء ، ويُدعى إلى الولائم والمناسبات الرسمية، فوجد ضالته في ترشيح نفسه لانتخابات المجلس البلدي. وبعضهم يعلم علم اليقين أنه لن يفوز في هذه الانتخابات، ولن يصل إلى عضوية المجلس البلدي، ولكن يكفيه أن اسمه نشر في وسائل الإعلام ضمن قائمة المرشحين، وتردد على ألسنة معارفه وأقاربه وزملائه وسكان حيّه، ويكفيه أن صورته نشرت على صفحات الجرائد، وعلى لوحات الشوارع، لقد كان أكبر أهدافه أن يقال عنه أنه من المرشحين للمجلس البلدي ، وقد قيل .
أم نصوت للمرشح الذي وجد صعوبة كبيرة في ملء الاستمارات والنماذج الخاصة بالترشيح، ولم يستطع فهم المطلوب في كثير من خاناتها ، واضطر إلى الاستعانة بالموظفين لمساعدته في تعبئة البيانات .
أم نصوتّ للمرشح الذي أمضى ساعات طويلة في كتابة العبارات الإنشائية الجميلة, وزخرفها، ونمقها، وملأها بالوعود الخيالية، والكلام المعسول، والأحلام الوردية، واستعان بخبراء الدعاية والإعلان في اختيار الكلمات الرنانة، والجمل الجذابة، والمفردات المسجوعة المتكلفة.
أم نصوّت للمرشح الذي لم يكتف في برنامجه الانتخابي بالحديث عن الأمور التي تدخل ضمن صلاحيات المجلس البلدي، أو على الأقل وزارة الشؤون البلدية والقروية، ولكن خياله جنح به، وذهب به بعيداً فدخل على صلاحيات الوزارات والجهات الحكومية الأخرى، حتى أصبح يخيّل لقارئ هذه الأوراق أن كاتبها يتحدث عن مجلس الوزراء وليس عن المجلس البلدي، وأن المجلس البلدي أعلى سلطة من جميع الوزارات، وهو مهيمن عليها، وهي خاضعة له تنتظر الأوامر من أعضائه.
أم نصوّت للمرشح الذي اعتدى على شبكة الكهرباء العمومية من أجل إيصال التيار إلى مقره الانتخابي، وتسبب في قطع الكهرباء عن إشارة المرور .   
أم نصوت للمرشح الذي تجاوز الإشارة الحمراء، وعكس اتجاه السير بجوار أحد المراكز الانتخابية، وعندما استوقفته دورية المرور طلب منهم أن لا يعطلوه، لأنه مستعجل جداً، فهو يريد استكمال الأوراق المطلوبة للترشيح، وليس لديه وقت يضيعه.
أم نصوت للمرشح المتقاعد الذي طالب في تصريح لإحدى الصحف بمنع الموظفين من الترشح للمجلس البلدي، وقصر الترشيح على العاطلين من العمل، والمتقاعدين فهم الأحق بمقاعد المجلس.
أم نصوّت للمرشح الذي تم تصويره وهو يقف بجوار حاويات جمع القمامة، أو وهو يتجول بقرب مرمى النفايات، ثم قام مؤيدوه بنشر هذه الصور في منتديات الإنترنت لإقناع الناخبين بترشيحه.
أم نصوّت للمرشح الذي وضع على وجهه المكياج، ومساحيق التجميل، ولبس البشت، وطلب من المصور أن يلتقط له صوراً من زوايا متعددة تظهره وهو في أبهى طلّة، وأجمل حلّة، حتى أصبحنا لا ندري أهو يستعد لدخول المجلس البلدي، أم يتهيأ لدخول القفص الذهبي .
        أسئلة كثيرة, تعددت مصادرها، وتنوعت مضامينها، ولكن الجواب عن جميع هذه الأسئلة جواب واحد مختصر، لكل من دار في ذهنه شيء من هذه التساؤلات نقول له: استبعد كل المرشحين الذين يدخلون تحت هذه الأوصاف، فإن بقي بعد ذلك أحد من المرشحين فأعطه صوتك .