" إن لم يكن بدً من إغضاب الناس، أو إغضاب الله عز وجل، ولم يكن مندوحة عن منافرة الخلق، أو منافرة الحق، فأغضب الناس ونافرهم، ولا تغضب ربك، ولا تنافر الحق" ابن حزم : كتاب الأخلاق والسير

* أيهما أحوج إلى التقويم: بصر الطالب أم بصيرة المعلم؟

تأثير المعلم على طلابه وخصوصاً صغار السن منهم تأثير كبير وملموس ، واقتداؤهم به وتقليدهم له يفوق في أحيان كثيرة اقتداءهم وتقليدهم لهما، ولذلك فإن المعلم حين يكون قدوة حسنة لطلابه فإنهم ستعلمون منه كثيراً من الفضائل والأخلاق والسلوكيات الجميلة، وعلى العكس من ذلك حين يكون قدوة سيئة فإن طلابه سيأخذون عنه الأخلاق الذميمة، ويقلدونه في سلوكياته وتصرفاته القبيحة، وذلك ما حدث فعلاً في إحدى المدارس الابتدائية عندما تضايق أحد المعلمين من طالب يعاني حَوَلاً في عينيه، فكان يناديه في أثناء تعنيفه وزجره بعبارة: يا أحول، وانتهى الدرس وخرج المعلم ليبدأ الجزء الثاني من هذا المشهد الكئيب حين فوجئ الطالب المسكين بالعبارة نفسها تنهال عليه من أفواه زملائه الذين أحاطوا به ، ولم يجد ما يردّ به على الهجوم الكاسح، والعبارة الجارحة سوى الاستسلام للبكاء .
     عاد أحد زملاء هذا الطفل إلى منزله حزيناً متأثراً يحكي لوالديه ما رأى وما سمع ، لقد رقّ قلبه لزميله، أشفق عليه من الموقف والحالة التي رآه فيها، أما قلب هذا المعلم فقد كان {كالحجارة أو أشدّ قسوة} يقول النبي صلى الله عليه وسلم ( إن أبعد الناس من الله القاسي القلب) . لقد أطلق المعلم هذه الكلمة ومضى، ولكنه لا يعلم حجم الجرح الغائر الذي أحدثه في كيان هذا الطفل ومشاعره وأحاسيسه ونفسيته، ولا يدري مقدار المعاناة التي سبّبها له وهو يستمع إلى هذه الكلمة التي سيرددها زملاؤه على مسامعه بشكل يومي، وسينادونه بها حتى تحلّ محلّ اسمه. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم) ويبدو أن هذا المعلم لن يشعر بفداحة جرمه حتى يبتليه الله بطفل يعاني المشكلة نفسها، ويتعرض للموقف نفسه.
    لقد نهانا ديننا العظيم عن السخرية من المسلم الذي ارتكب ذنباً، وتعييره بذنبه الذي وقع فيه؛ يقول صلى الله عليه وسلم (من عيّر أخاه بذنب لم يمت حتى يعمله) وإذا كانت هذه عقوبة من سخر من إنسان وقع في الذنب باختياره، وجنا على نفسه بيديه، فكيف ستكون عقوبة من يسخر من إنسان، ويعيّره بأمر لا حول له فيه ولا قوة، ولا اختيار له فيه ولا إرادة ، وإنما هو أمر قدّره الله عليه ابتلاه به .
       يقول الله عزّ وجل {فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور}وانطلاقاً من هذه الآية نستطيع التأكيد بأن الحَوَل ليس في عيني هذا الطالب، ولكنه في عقل وقلب وتفكير هذا المربي الدخيل، وأن هناك حاجة ماسة وسريعة إلى علاج بصيرته وتقويمها قبل علاج بصر هذا الطالب وتقويمه.