" إن لم يكن بدً من إغضاب الناس، أو إغضاب الله عز وجل، ولم يكن مندوحة عن منافرة الخلق، أو منافرة الحق، فأغضب الناس ونافرهم، ولا تغضب ربك، ولا تنافر الحق" ابن حزم : كتاب الأخلاق والسير

* ولَـكَ بـمـثل

عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم: (ما من عبد مسلم يدعو لأخيه بظهر الغيب إلا قال المَلَكُ: ولَكَ بمثِْل) رواه مسلم. وفي رواية: (قال الملك الموكّل به: آمين، ولك بمثل) وفي رواية: (دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة, عند رأسه ملك موَكََّل, كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكَّل به: آمين، ولك بمثل) . ‏
قال الإمام النووي رحمه الله عند شرحه لهذا الحديث: "وفي هذا فضل الدعاء لأخيه المسلم بظهر الغيب, ولو دعا لجماعة من المسلمين حصلت هذه  الفضيلة, ولو دعا لجملة المسلمين فالظاهر حصولها أيضا, وكان بعض السلف إذا أراد أن يدعو لنفسه يدعو لأخيه المسلم بتلك الدعوة; لأنها تستجاب, ويحصل له مثلها" .
قال صلى الله عليه وسلم: (ليس شيء أكرم على الله من الدعاء) أخرجه الترمذي وابن ماجه وابن حبان.
ليس للإنسان غنىً عن خالقه، وهو محتاج إلى ربه في كل الأحوال والظروف، ولا يكشف البلوى، ولا يفرّج الكرب، ولا يجيب المضطر إلا الله، والدعاء عبادة لا يستغني عنها العبد المؤمن, وباب يلج منه العبد إلى خالقه، ودواء ناجع، وسلاح مؤثر يلجأ إليه العبد في أوقات الشدائد، وعند نزول المكاره والمصائب.
والنبي صلى الله عليه وسلم حريص على المؤمنين، رؤوف رحيم بهم، يحبّ لهم الخير، ويدلهم على كل ما ينفعهم ويفيدهم ويقربهم إلى خالقهم، ويساعدهم في استجابة دعائهم، وتحقيق مطالبهم، ولذلك فهو يكشف لهم في هذا الحديث عن سرٍّ خفيّ، ويفتح لهم باباً مجهولاًً لم يكن معروفاً لديهم يوصلهم إلى غاياتهم بشكل أسرع وأضمن، وبطريق أقصر، وينبههم إلى أمر لم يخطر ببالهم، ويرشدهم إلى طريقة بسيطة، سهلة التنفيذ، مضمونة النتائج، لا تحتاج جهداً، ولا تتطلب وقتاً، ولا تستهلك مالاَ، ولا يعجز عنها أحد؛ فهي ميسرة ومتاحة للجميع، ولكن أكثر الناس عنها غافلون.
انظر ما الأمر الذي يشغلك، وما الموضوع الذي يقلقك، وما المشكلة التي تواجهك، ثم ابحث فيمن حولك من معارف وأقارب وجيران وزملاء ممن يواجه نفس المشكلة، ويمر بنفس الضائقة، ويعاني من نفس الابتلاء، فادع له ليقول الملك: ولك بمثل، فإن لم تجد فيمن حولك فادع للمسلمين عموماً ليقول الملك أيضاً: ولك بمثل.
إذا ابتلاك الله أو ابتلى أحداً من أفراد أسرتك بمرض، فادع بالشفاء لمن تعرفهم من المرضى، أو لمرضى المسلمين عموماً ليقول الملك: ولك بمثل. 
إذا أثقلت كاهلك الديون، ولاحقك الدائنون، فادع الله أن يقضيَ دين من تعرفهم من المدينين، وأن يفرّج كرباتهم، ليقول الملك: ولك بمثل. 
إذا ابتلاك الله بأولاد عاقّين، أو منحرفين في سلوكهم، أولم يحالفهم التوفيق في حياتهم، أو أتعبوك في تربيتهم، فادع بالهداية والصلاح والتوفيق لأولاد جيرانك وأقربائك  ليقول الملك: ولك بمثل.
إذا أقضت مضجعك الهموم، وأظلتك سحائب الغموم، وأحاطت بك الكروب، وأُغلقت في وجهك الدروب، فادع الله أن يفرج همّ المهمومين ممن حولك ليقول الملك: ولك بمثل.
إذا كنت عاطلاً من العمل، وتبحث عن وظيفة، وتبحث عن عمل، فادع الله أن ييسر عملاً, ويهيّأ وظيفة لمن لا يجدون عملاً ممن تعرفهم ليقول الملك: ولك بمثل.
إذا ابتلاك الله بالفقر، وقلة ذات اليد، وزادت عليك أعباء الحياة، فادع الله أن يغني من تعرفهم من الفقراء ليقول الملك: ولك بمثل.
إذا كنت طالباً تبحث عن النجاح والتوفيق في دراستك، وترغب في الحصول على أعلى الدرجات، فادع الله لزملائك بالنجاح والتوفيق والتسديد والتسهيل ليقول الملك: ولك بمثل.
وإذا دعوت لأحد من هؤلاء فكن صادقاً في دعائك مخلصاً فيه، وألحّ على الله وتضرّع إليه، وكرّر الدعاء وأكثرْ منه، واختر مواطن القبول، وأوقات الاستجابة لتضمن حصول المطلوب، وليقول الملك: ولك بمثل.
إنك بهذه الطريقة تدعو لنفسك ولكن بشكل غير مباشر، فأقلّ أو فأكثر فأنت كاسب في كل الأحوال، ولن تخسر شيئاً، واعلم أنك كلما زدت في الدعاء لغيرك كلما زدت في الدعاء لنفسك، مع فارق كبير يتمثل في أنك لا تضمن حصول الاستجابة، وتحقيق المطلوب لو دعوت لنفسك بشكل مباشر، أما دعاؤك لغيرك فيعني أنك ضمنت الاستجابة، وحققت مرادك، وحصلت على ما تريد.
وأخيراً تأكد أنك كلما أكثرت في الدعاء لغيرك كلما أكثر الملك من قوله: ولك بمثل فلا تزهد في هذا الأمر، ولا تستهن به، ولا تستخفّ بجدواه، وأقْدِم عليه وأنت موقن بنتيجته الحتمية، وفائدته الأكيدة، ونفعه السريع، واعلم أن الله يستحي أن يرد يدي عبده خاليتين إذا رفعهما إليه، كما قال صلوات الله وسلامه عليه:  (إن الله حييّ كريم يستحي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفرا خائبتين) أخرجه أبو داود والترمذي وابن وابن حبان ماجة.