" إن لم يكن بدً من إغضاب الناس، أو إغضاب الله عز وجل، ولم يكن مندوحة عن منافرة الخلق، أو منافرة الحق، فأغضب الناس ونافرهم، ولا تغضب ربك، ولا تنافر الحق" ابن حزم : كتاب الأخلاق والسير

* مسؤولية الكلمة في وسائل الإعلام

 للكلمة أهمية بالغة وخطورة كبيرة، وهي سلاح خطير ومؤثر؛ إذا استخدمت في الخير والإصلاح والبناء كان لها نفع كبير وفائدة عظيمة، وإذا استخدمت في الشر والإفساد والهدم كان ضررها كبيراً وخطرها عظيماً، والمشكلات والخصومات والعداوات بين الأفراد والجماعات والدول تبدأ ـ في الغالب ـ بكلمات متبادلة بين الطرفين. والشاعر يقول: 

فإنّ النار بالعودين تذكى      وإنّ الحرب مبدؤها الكلام

     ووسائل الإعلام تعتمد اعتماداً كبيراً على الكلمة سواء منها المكتوبة ( في الصحافة ) أو المنطوقة ( في الإذاعة والتلفاز ) وتشكل الكلمة العمود الفقري الذي يقوم عليه جسم هذه الوسائل .
     وفي المجتمعات التي ل اتدين بالإسلام ليس هناك حدود أو ضوابط أو قيود على حرية الكلمة، أو حرية العاملين في وسائل الإعلام في استخدام هذا السلاح إلا بعض القيود على نشر بعض المعلومات العسكرية بحجة الإخلال بالأمن القومي، وليس هناك رادع من دين أو أخلاق أو قانون، ولذلك تقحم وسائل الإعلام نفسها ـ وخاصة الصحف الشعبية وصحف الإثارة ـ في الأمور الشخصية لبعض المسؤولين أو مشاهير المجتمع وتعطي نفسها حق المراقبة والتجسس والتسجيل والتصوير ونشر الفضائح والأسرار الشخصية .
     أما في الإسلام فإن هناك ضوابط وحدود لاستخدام الكلمة ونشرها وبثها، وتخضع لقوانين الجزاء والثواب والعقاب الدنيوي والأخروي ، والصحفي المسلم مسؤول مسؤولية كاملة عما يقوله أو يكتبه أو ينشره، وليس له كامل الحرية في استخدام هذا السلاح، وكتابة أي موضوع، ونشر أي معلومات، وعليه أن يراقب الله في عمله بشكل دائم، وأن يسأل نفسه قبل كتابة أي موضوع، أو نشر أي معلومة : هل هنالك ومصلحة وخير في كتابة هذا الموضوع أو نشر هذه المعلومة؟ وما الفائدة التي سيجنيها القارئ والمجتمع من وراء هذا الكلام؟ فإن وجد أن هناك مصلحة وخيراً وفائدة من وراء النشر نشره وإلا تراجع وامتنع عن النشر.

* أسـتـاذ الـجـامـعـة .. صفاته وأخلاقه

يتكون المجتمع من مجموعة من الفئات، والشرائح التي تتفاوت في عددها، وطبيعتها، وقدراتها، ويأتي أساتذة الجامعات في مقدمة هذه الفئات من حيث المستوى الثقافي، والموقع الريادي، والتأثير فيمن حولهم، كما أنهم يكوّنون جزءاً مهماً، وكبيراً من قادة الرأي، وُصنّاعه في المجتمع، وعلى الرغم من قلة عدد هذه الفئة إلا أنها تحظى باحترام كثير من فئات المجتمع الأخرى، وتقديرها، وهناك تركيز كبير، واهتمام واضح بما يصدر عن أفرادها من سلبيات، أو إيجابيات، مما جعلهم موضع نظر الناس، وانتقادهم بشكل دائم، والأنظار متجهة إليهم أكثر من غيرهم؛ بحكم الموقع الذي يعملون فيه، والعلوم والمعارف التي يحملونها، والمؤهلات العلمية التي حصلوا عليها، ومن الطبيعي أن يكون لهؤلاء الأساتذة أخطاؤهم، وتقصيرهم؛ فهم بشر كغيرهم، وليسوا بالأشخاص المقدسين، أو المعصومين من الوقوع في الخطأ الالتزام في أداء العمل، وهو أمر راجع إلى عدة أسباب من أهمها: ضعف الوازع الديني، وانعدام  الرقابة الذاتية، ومحاسبة النفس على تقصيرها لدى كثير من هؤلاء الأساتذة . 

* الوَرَع والبعد عن الشبهات

"دع ما يريبك إلى ما لا يريبك"
"وكن ورِعاً تكن أعبد الناس"

الوَرَعُ .. مبدأ إسلامي أصيل، وعبادة عظيمة، يحتاج إليها الجميع: الرجل والمرأة، الموظّف والتاجر، المدنيّ والعسكري، المعلمّ والطالب، الغنيّ والفقير. ومع كون الجميع في حاجة إلى هذه العبادة، ولا يستغني عنها أحد، إلا أنها عبادة مجهولة عند البعض، ومهجورة عند البعض الآخر، ولا يعمل بها إلا القليل.
    وقد عرّف شيخ الإسلام ابن تيمية الورع بأنّه: "الإمساك عمّا قد يضرّ. فتدخل فيه المحرمات، والشبهات؛ لأنها قد تضر". (مجموع الفتاوى، 5/512)
    وعرّفه ابن القيم بقوله: " ترك ما يُخشى ضرره في الآخرة".( الفوائد، 153)
 وقال يحيى بن معاذ: "الورع: اجتناب كل رِيبة، وترك كل شبهة".(الزهد الكبير، 2/316)
    ومن تعريفات الورع أنه : "تجنب الشبهات خوف الوقوع في محرم. وقيل: ترك ما يريبك، ونفي ما يعيبك. وقيل: الأخذ بالأوثق، وحمل النفس على الأشقّ".(سبل السلام، 4/170)
    وقد فسّر الإمام أحمد الشبهة بأنها منـزلة بين الحلال والحرام؛ أي الحلال الواضح البيّن، والحرام الواضح البينّ، وقال لمن سأله عن الشبهة: "هي الشيء بين الحلال والحرام". (الورع لابن حنبل، 74) 

* خواطر وملاحظات على مايجري في الأفراح من تجاوزات

{وتفاخرٌ بينكم}
قال الله تعالى { اعلمو أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفراً ثم يكون حطاماً وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور } الحديد 20 . حصر الله عز وجل ­في هذه الآية الحياة الدنيا وقصرها على هذه الأمور الخمسة فقط ( اللعب واللهو والزينة والتفاخر والتكاثر ) وكثير مما يجري في الأفراح من منكرات وتجاوزات وتصرفات داخل ضمن التفاخر بين الأفراد والأسر سواء فيما يتعلق بمكان إقامة الحفل واختيار الفنادق أو الصالات الفخمة التي يصل إيجار بعضها إلى مائة ألف ريال ، أو اختيار بطاقات الدعوة ذات الأشكال الفاخرة والأسعار المرتفعة ، أو المبالغة والتوسع في كمية الطعام المقدم للضيوف حتى إن عدد الخرفان التي ذبحت ، والموائد التي مدّت ، و الحلوى التي قدمت ، والهدايا التي وزعت أصبح مجالاً للتفاخر والتنافس تتناقله الألسن وتتحدث به الركبان .

* مزايا الصحافة الإلكترونية وعيوبها

 أولا : مزايا الصحافة الإلكترونية

ـ تكتفي كثير من الصحف المطبوعة بالوصول إلى القراء الموجودين في الدولة التي تصدر فيها، وقد ينحصر توزيعها ـ إذا كانت صحيفة محلية ـ على المدينة التي يوجد مقرها فيها ، وهناك بعض الصحف التي تحرص على تجاوز حدود الدولة التي تصدر فيها لتصل إلى جمهور القراء الموجودين في دول أخرى، وتواجه مثل هذه الصحف كثيراً من الصعوبات منها ما يتعلق بالشحن الجوي وظروف الطيران ومواعيد الرحلات الجوية مما يؤدي في كثير من الأحيان إلى وصولها متأخرة ، مما حدا ببعض الصحف التي تملك إمكانات فنية ومالية كبيرة إلى إقامة مراكز طباعة خاصة بها في الدول التي تريد الوصول إليها ، أو إبرام اتفاقات مع مؤسسات صحفية أو مطابع كبيرة ، حيث يتم إصدار طبعة خاصة بهذه الدولة باستخدام تقنيات الأقمار الصناعية والإنترنت في استقبال صفحات الجريدة من مقرها الرئيس ، وهناك صعوبات أخرى تعاني منها الصحف المطبوعة تتمثل في ضروروة مراعاتها للنواحي السياسية والإجراءات الرقابية والأمنية      

* قواعد عامة لنشر أخبار الجرائم والحوادث في الصحف

تعد أخبار الجرائم والحوادث واحدة من الفئات المتعددة للأخبار التي تنشرها وسائل الإعلام، إلا أن الملاحظ أن الإذاعة والتلفاز تركز في ما تبثه على أخبار الجرائم ذات الطابع العام أو التي تمس أشخاصاً لهم مكانة خاصة في مجتمعاتهم كأخبار التفجيرات والاغتيالات واختطاف الطائرات واحتجاز الرهائن، وكذلك الحوادث والكوارث العامة كالزلازل والبراكين والفيضانات وسقوط الطائرات وتصادم القطارات وغرق السفن .
أما الصحف [1] فإنها لا تكتفي بنشر أخبار الجرائم والحوادث العامة والكبيرة، وإنما تتوسع في هذا الشأن إلى حد نشر الجرائم والحوادث الصغيرة ذات الطابع الفردي والشخصي وذات الطابع الاجتماعي الخاص، ويتفاوت اهتمام الصحف بهذا النوع من الأخبار؛ ففي الصحافة الشعبية ـ وبالذات في الدول الغربية ـ تشكّل أخبار الجرائم والحوادث، بالإضافة إلى فضائح المشاهير ومغامراتهم وأسرار حياتهم الخاصة العمود الفقري الذي تقوم عليه هذه الصحافة وتجني أرباحها من ورائه.

* ويقبضون أيديهم

ذكر الله عز وجل في كتابه الكريم مجموعة من صفات المنافقين، منها: البخل
والشح وقبض اليد، وعدم البذل والإنفاق في سبيل الله، قال تعالى { والمنافقون
والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم
نسوا الله فنسيهم إن المنافقين هم الفاسقون} (التوبة 67)
     وقد اشتملت السورة نفسها على قصة أحد المنافقين، وهو ثعلبة بن حاطب
الذي أعطى الله عهده وميثاقه لئن أغناه من فضله ليصدّقن من ماله، فما وفّى بما قال،
ولا التزم بما عاهد الله عليه { ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن
ولنكونن من الصالحين ، فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون ، فأعقبهم
نفاقاً في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون} التوبة 75ـ 77 .
     أما المؤمنون فهم أهل البذل والجود وبسط اليد والإنفاق في سبيل الله دون تردد

* ولنا في أنبياء الله قدوة

عندما حثّ النبي صلى الله عليه وسلم أمته على طلب الرزق، وبيّن لهم أن أفضل الكسب ما كان من عمل اليد، ضرب لهم مثلاً بنبي الله داود عليه السلام ليكون لهم قدوة حسنة يقتدون بها؛ روى البخاري عن المقدام بن معد يكرب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما أكل أحد طعاماً قط خير من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده" فداود عليه السلام مع كونه نبياً كريماً، وملكاً عظيماً إلا أنه كان يعمل في صناعة الدروع وبيعها، ولا يأكل إلا من ثمنها. قال تعالى:{ وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم فهل أنتم شاكرون} الأنبياء 80
       ومعظم الأنبياء عليهم السلام كانت لهم مهن يعملون فيها، ويأكلون من كسبها؛ فزكريا عليه السلام كان نجاراً؛ روى مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " كان زكريا نجاراً" . وما بعث الله نبياً إلا رعى الغنم؛ وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرعى الغنم لأهل مكة قبل بعثته مقابل قراريط يأخذها أجرة على عمله؛ روى البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما بعث الله نبياً إلا رعى الغنم، فقال أصحابه: وأنت؟ فقال: نعم ، كنت أرعى على قراريط لأهل مكة" .

* ولَـكَ بـمـثل

عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم: (ما من عبد مسلم يدعو لأخيه بظهر الغيب إلا قال المَلَكُ: ولَكَ بمثِْل) رواه مسلم. وفي رواية: (قال الملك الموكّل به: آمين، ولك بمثل) وفي رواية: (دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة, عند رأسه ملك موَكََّل, كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكَّل به: آمين، ولك بمثل) . ‏
قال الإمام النووي رحمه الله عند شرحه لهذا الحديث: "وفي هذا فضل الدعاء لأخيه المسلم بظهر الغيب, ولو دعا لجماعة من المسلمين حصلت هذه  الفضيلة, ولو دعا لجملة المسلمين فالظاهر حصولها أيضا, وكان بعض السلف إذا أراد أن يدعو لنفسه يدعو لأخيه المسلم بتلك الدعوة; لأنها تستجاب, ويحصل له مثلها" .
قال صلى الله عليه وسلم: (ليس شيء أكرم على الله من الدعاء) أخرجه الترمذي وابن ماجه وابن حبان.

* وقالوا من أشدّ منّا قوة..الغرور الأمريكي والسنن الإلهية

منذ انهيار الاتحاد السوفيتي وتفككه قبل سنوات ازدادت لدى الأمريكيين مظاهر الاستكبار والغطرسة ، والشعور بالعظمة ، والتباهي بالقوة، والتفرد بالزعامة ، ولم تكتف طموحاتهم بالأرض ، وإنما تجاوزتها إلى الرغبة في السيطرة على الفضاء . وكلما تابعت طريقة الاستعلاء والاستكبار، واستعراض العضلات التي تتعامل بها أمريكا مع بقية دول العالم ، والتصريحات التي تصدر عن المسؤولين الأمريكيين ، وحديثهم عن الجيش الذي لا يقهر ، والسلاح الذي لا يقاوم ، وذراع أمريكا الطويلة التي تصل إلى كل مكان ، استحضر في ذهني قول الله عز وجل عن قوم عاد { فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منّا قوة أو لم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون ، فأرسلنا عليهم ريحاً صرصراً في أيام نحسات لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون } فصلت 15ـ16 . لقد كان انتقام الله من قوم عاد وعقابه لهم على استكبارهم واغترارهم بقوتهم أن أهلكهم بريح صرصر عاتية { ريح فيها عذاب أليم تدمر كل شيء بأمر ربها فأصبحوا لا يُرى إلا مساكنهم كذلك نجزي القوم المجرمين } الأحقاف 24ـ25 .

* وسائل الإعلام .. المربي الكبير

 إلى سنوات قريبة كانت مؤسسات التنشئة الاجتماعية والتربية الأخلاقية في المجتمع تنحصر في ثلاث جهات : المسجد والمدرسة والمنـزل حتى دخلت وسائل الإعلام في حياة الناس وبيوتهم ، ولم يعد هناك شخص صغير أو كبير إلا ويتعرض لمجموعة من هذه الوسائل أو لواحدة منها على الأقل، وبالذات التلفاز الذي يعدّ من أخطر هذه الوسائل وأكثرها تأثيراً في حياة الفرد والمجتمع سلباً وإيجاباً، وبدأت هذه الوسائل التي يسميها البعض ( المربي الإلكتروني ) في منافسة هذه المؤسسات الثلاث ومزاحمتها وأخذ زمام المبادرة منها في ظل تراجع وانحسار دور هذه المؤسسات أمام التدفق الإعلامي الكبير المدعوم بفنون العرض والإخراج ، والمنطوي على كثير من عناصر الجذب والإبهار والبريق الذي شدّ الأعين والآذان ، وسحر القلوب واستحوذ على العقول وجعل المضامين والأفكار والقيم والسلوكيات تنساب إلى عقول الناس وتتغلغل في حياتهم دون مقاومة أو رفض ، ولا سيما النشء والأطفال الذين لايتمتعون بالحصانة الكافية ،

* ففرّوا إلـى الله

الفرار في كل المواطن مذموم إلا في الفرار إلى الله عزّ وجل، والفرار في كل الأحوال خُلق الجبناء، وصفة الخائفين إلا في الفرار إلى الله عز وجل؛ ففي الفرار إليه سلامة ونجاة، وفي اللجوء إليه سعادة وحياة، والفرار إليه عز وقوة، واللجوء إليه مَنَعَة وتحصن، والمخلوق إذا خفته فررت منه {ففررت منكم لما خفتكم} أما الخالق فإذا خفت منه فررت إليه {ففروا إلى الله}
    ففرّ إليه، والجأ إليه، فلن تجد السعادة بعيداً عنه، ولن تهنأ بعيش وأنت تعصيه وتفرّ منه، ابحث عن السعادة في طاعته، وفتش عن الراحة في الإقبال عليه. فرّ إليه فرار الخائف من عدوه، الباحث عن الأمان، المفتش عن المأوى. اطلب العون والمدد منه وحده، واسأله وحده التوفيق والتسديد.
     إذا دهمتك الخطوب، واشتد بك الهم والغم فرّ إليه، وإذا استبدّ بك القلق، واستولى عليك اليأس فرّ إليه، وإذا أحاطت بك المشكلات, وأقضت مضجعك الوساوس فرّ إليه، إذا أقبلت عليك الفتن، وتتابعت عليك المحن فرّ إليه، تجد في ذكره  الراحة والطمأنينة والسكينة، وتلقى في عبادته الهدوء وراحة البال واستقرار النفس.

* النفاذ والنفاد

هناك فعلان في اللغة العربية مكونان من ثلاثة أحرف؛ يتفقان في الحرفين الأولين ويختلفان في الحرف الأخير، وهذان الفعلان هما (نَفِدَ) بالدال, و(نَفَذَ) بالذال، وهناك خلط كبير بين هذين الفعلين يقع فيه كثير من حفظة القرآن الكريم، وأئمة المساجد، والكتاب، والمذيعين، فينطقون ويكتبون كلا الفعلين ومشتقاتهما بالذال. مع أن هناك فرقاً كبيراً بين الفعلين ومعناهما واستخداماتهما؛ فالفعل (نفد) بمعنى: فَنِيَ وانتهى؛ تقول: نفد المال، أو نفد الوقت أي: انتهى. والفعل (نفذ) بمعنى: اخترق؛ تقول: نفذ السهم من الجسم، أي اخترقه حتى خرج من الشق الآخر، و نفذ الأمر أو القول، أي مضى وجرى، ونفذ بجلده، أي خَلُص ونجا.  
    وقد ورد الفعلان نفد و نفذ ومشتقاتهما في القرآن الكريم في مجموعة من الآيات؛ فالفعل (نفد) ومشتقاته هو الأكثر وروداً في القرآن الكريم؛ فقد ورد في خمسة مواضع: منها موضعان في آية واحدة في قوله تعالى:{قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي} (الكهف 109) وفي قوله تعالى: {ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله} (لقمان 27) وكذلك في قوله تعالى: {ما عندكم ينفد وما عند الله باق} (النحل 96) وفي قوله تعالى: {إن هذا لرزقنا ماله من نفاد} (ص 54)

* أيهما أحوج إلى التقويم: بصر الطالب أم بصيرة المعلم؟

تأثير المعلم على طلابه وخصوصاً صغار السن منهم تأثير كبير وملموس ، واقتداؤهم به وتقليدهم له يفوق في أحيان كثيرة اقتداءهم وتقليدهم لهما، ولذلك فإن المعلم حين يكون قدوة حسنة لطلابه فإنهم ستعلمون منه كثيراً من الفضائل والأخلاق والسلوكيات الجميلة، وعلى العكس من ذلك حين يكون قدوة سيئة فإن طلابه سيأخذون عنه الأخلاق الذميمة، ويقلدونه في سلوكياته وتصرفاته القبيحة، وذلك ما حدث فعلاً في إحدى المدارس الابتدائية عندما تضايق أحد المعلمين من طالب يعاني حَوَلاً في عينيه، فكان يناديه في أثناء تعنيفه وزجره بعبارة: يا أحول، وانتهى الدرس وخرج المعلم ليبدأ الجزء الثاني من هذا المشهد الكئيب حين فوجئ الطالب المسكين بالعبارة نفسها تنهال عليه من أفواه زملائه الذين أحاطوا به ، ولم يجد ما يردّ به على الهجوم الكاسح، والعبارة الجارحة سوى الاستسلام للبكاء .
     عاد أحد زملاء هذا الطفل إلى منزله حزيناً متأثراً يحكي لوالديه ما رأى وما سمع ، لقد رقّ قلبه لزميله، أشفق عليه من الموقف والحالة التي رآه فيها، أما قلب هذا المعلم فقد كان {كالحجارة أو أشدّ قسوة} يقول النبي صلى الله عليه وسلم ( إن أبعد الناس من الله القاسي القلب) . لقد أطلق المعلم هذه الكلمة ومضى، ولكنه لا يعلم حجم الجرح الغائر الذي أحدثه في كيان هذا الطفل ومشاعره وأحاسيسه ونفسيته، ولا يدري مقدار المعاناة التي سبّبها له وهو يستمع إلى هذه الكلمة التي سيرددها زملاؤه على مسامعه بشكل يومي، وسينادونه بها حتى تحلّ محلّ اسمه. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم) ويبدو أن هذا المعلم لن يشعر بفداحة جرمه حتى يبتليه الله بطفل يعاني المشكلة نفسها، ويتعرض للموقف نفسه.

* بل هو نبيّ أميّ .. لئلا يرتاب المبطلون

اطلعت على مقال في أحد المواقع على شبكة الإنترنت ينفي فيه كاتبه صفة الأمية عن النبي r ، ويرى أنها صفة نقص لا ينبغي نسبتها إلى النبي r ، وشنّع على الذين يقولون عن النبي r أنه أميّ، ويقول أن لفظ ( النبيّ الأميّ ) الذي ورد في موضعين من سورة الأعراف }الذين يتبعون الرسول النبيّ الأميّ{ }فآمنوا بالله ورسوله النبيّ الأميّ{ لا يعني الذي لا يجيد القراءة والكتابة، وإنما هو نسبة إلى أم القرى (مكة) فيكون معناها على هذا التفسير (النبي المكي) وهو تفسير غريب يخالف إجماع المفسرين.
    وقد غاب عن هذا الكاتب أن نفي القراءة والكتابة عن النبي r ليس مقصوراً على هاتين الآتين، وإنما هناك دليل آخر من القرآن الكريم أوضح دلالة وأقوى حجة وذلك في قوله تعالى في سورة العنكبوت آية 48 } وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطّه بيمينك إذاً لارتاب المبطلون {  فالجزء الأول من الآية ينفي عنه صفة القراءة (وما كنت تتلو من قبله من كتاب) والجزء الثاني ينفي عنه صفة الكتابة (ولا تخطه بيمينك) والجزء الأخير يبين السبب والغاية من جعل النبي r نبياً أمياً لا يجيد القراءة والكتابة (إذاً لارتاب المبطلون) أي لو كان يجيد القراءة والكتابة لوقعت الريبة والشك في نفوس أهل الباطل، ولاتهموه بأنه كتب هذا القرآن، وجاء به من عنده، أو نقله عن كتب الأمم السابقة وليس وحياً من عند الله، وهي تهمة لم يسلم منها النبي r حتى مع اعتراف قومه بأميته وإقرارهم وتسليمهم بذلك  }وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلاً{  فكيف سيكون الأمر وكيف سيكون موقفهم لو كان يجيد القراءة والكتابة
      وقد اشتمت سيرته r على مجموعة من الأدلة والشواهد التي تؤكد على أميته r وعدم معرفته بالقراءة والكتابة، منها استعانته r بمجموعة من الصحابة رضوان الله عليهم لكتابة الوحي، وكتابة رسائله إلى الملوك والعظماء، وكتابة معاهداته ومواثيقه مع الأفراد والقبائل.

* عامل الناس بما تحبّ أن يعاملوك به

وضع  الإسلام مجموعة من القواعد والمبادئ التي تنظم علاقة المسلمين مع بعضهم، وتحكم تعاملهم فيما بينهم؛ حتى لا يخطأ أحد في حق أحد، ولا يبغي أحد على أحد، وحتى تسود المودة والوئام والتفاهم في ما بينهم، وينتهي الخصام والشجار والقطيعة .
ومن هذه القواعد قاعدة إسلامية عظيمة وأصيلة تقوم على مبدأ ( عامل الناس بما تحب أن يعاملوك به ) ومصدر هذه القاعدة مأخوذ من حديث للنبي e يقول فيه :
" فمن أحب أن يُزَحْزَحَ عن النار ويُدْخَلَ الجنة فَلْتَأْتِه مَنِيّتُه وهو يُؤمن بالله واليوم الآخر ، وَلْيَأْتِ إلى الناس الذي يحبّ أن يُؤتى إليه " ( رواه مسلم )
فمن أراد النجاة من النار ودخول الجنة فما عليه إلا أن يلتزم بهذه القاعدة في تعامله مع من حوله من الناس .
وهذه القاعدة لها صلة وثيقة بقاعدة أخرى تقوم على مبدأ ( أحبّ لأخيك ما تحب لنفسك) وقد أكدّ النبي e على هذا المبدأ، وجعله شرطاً في كمال الإيمان حين قال: 
" لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" ( رواه البخاري ومسلم )

* تعددت الأسئلة .. والجواب واحد

 تدور في أذهان الناخبين وهم يستعرضون أسماء المرشحين في انتخابات المجالس البلدية مجموعة كبيرة من التساؤلات، وهم في حيرة من أمرهم؛ فالمرشحون كثيرون، والبرامج الانتخابية مليئة بالوعود، ولم تترك شيئاً إلا أتت عليه، ويتساءلون: من نرشح؟ ولمن نعطي أصواتنا؟
هل نصوّت للمرشح الذي ليست له أي خبرة في الأمور المالية والمحاسبية، ونحن نعلم أن من بين مهام المجلس البلدي ( مناقشة ميزانية البلدية والحساب الختامي والإيرادات والمصروفات وإدارة أموال البلدية) ، فهل يستطيع هذا المرشح أن يناقش هذه الموضوعات مع مسؤولي البلدية، ويبدي رأيه في الميزانيات والحسابات المالية، ويعرف جوانب القصور والخلل الموجودة فيها، فيقدّم اعتراضه عليها بناء على الفهم الصحيح، والإلمام الكامل بما يتحدث عنه، وبما يعترض عليه. 
أم نصوّت للمرشح الذي ليست له أي خبرة في الأمور الهندسية والتخطيط، ونحن نعلم أن من بين مهام المجلس البلدي (مناقشة مشروع المخطط التنظيمي للبلدية، ووضع اللوائح التنفيذية الخاصة بالشروط التخطيطية والتنظيمية) فكيف سيستطيع هذا المرشح مناقشة هذه الأمور مع مهندسي البلدية المتخصصين، وتقديم رأيه ووجهة نظره في ما تشتمل عليه من تفاصيل هندسية بحتة، وجوانب تخطيطية وتنظيمية لم يسبق له أن سمع بها .

* العزوف عن الانتخابات.. الأسباب والدلالات

لاحظ المراقبون لانتخابات المجالس البلدية أن هناك إحجاماً كبيراً من قبل فئات كبيرة من المجتمع السعودي عن المشاركة في التسجيل والتصويت، وأن أعداد هؤلاء المحجمين سجلت نسباً مرتفعة في جميع مناطق المملكة باستثناء بعض المحافظات والمدن التي سجلت إقبالاً كثيفاً لدواعٍ مذهبية أو قبلية، وقد أرجع كثير من هؤلاء المراقبين ضعف الإقبال إلى حداثة التجربة في المجتمع السعودي، وقلة الوعي لدى كثير من أفراد المجتمع بثقافة الانتخابات وطبيعتها ودورها وأهميتها، ويمكن القبول والتسليم بأن قلة الوعي الانتخابي سبب لإحجام بعض الأميين، ومحدودي التعليم والثقافة، ولكن لا يمكن التسليم بهذا السبب، ولا يمكن قبول هذا التبرير بالنسبة لقطاع كبير من المتعلمين والمثقفين وحاملي المؤهلات الجامعية، وفيهم من عاش سنوات طويلة في مجتمعات غربية تتعاطى الانتخابات في كثير من أمور حياتها، وفيهم من مارسها في الجامعات التي درس فيها، أو الأندية الطلابية التي شارك فيها.

* الحملات الانتخابية .. وتطيير الحمام

هناك مثل شعبي يقول: ( اللي عنده قرش محيّره .. يشتري حمام ويطـيّره ) وقد أصبح هذا المثل يتردد على لساني، وأتذكره بكثرة وأنا أتابع الحملات الانتخابية لمرشحي المجالس البلدية؛ أتذكره كلما قلّبت صفحات الجرائد، وتمعنت في الإعلانات الملونة التي تملأ هذه الصفحات، وقد يستأثر الإعلان الواحد منها بصفحة كاملة. وأتذكره كلما سرت في الشوارع، ومررت بجوار اللوحات الأرضية والسماوية والشاشات التلفازية. وأتذكره وأنا أمرّ بجوار المقرات الانتخابية، وأرى التجهيزات الهائلة، والاستعدادات الكبيرة. وأتذكره كلما سمعت في المجالس، وقرأت في الصحف عن تكاليف الحملات الانتخابية لبعض المرشحين، والمبالغ التي صرفوها. وأتذكره كلما سمعت عن الولائم الباذخة التي يقيمها بعض المرشحين لاستقطاب الناخبين. وأتذكره وأنا اقرأ عن مئات المرشحين الذين يتنافسون على مقاعد محدودة  في المجلس البلدي لا تتجاوز السبعة، ومع ذلك ينفقون بسخاء على حملاتهم الانتخابية، وكل واحد منهم يمنّي نفسه أن يكون أحد السبعة المبشرين بالمجلس البلدي .
       فإذا قلنا أن متوسط إنفاق كل مرشح من هؤلاء المرشحين على حملته الانتخابية خمسون ألف ريال ـ مع الأخذ في الاعتبار أن بعض المرشحين لا يشكل هذا المبلغ شيئاً يذكر من تكاليف حملته التي تصل إلى مئات الألوف وربما الملايين ـ  وإذا قلنا إن عدد المرشحين في مناطق المملكة المختلفة يصل إلى خمسة آلاف مرشح، فإننا نستطيع بعملية بسيطة أن نكتشف أن مجموع ما أنفقه هؤلاء المرشحون على حملاتهم الانتخابية يصل إلى مائتين وخمسين مليون، أي ربع مليار ريال بالتمام والكمال .

* وقفات مع الفاروق(3) وكان وقّافاً عند كتاب الله

قََدِم عيينة بن حصن إلى المدينة، فنـزل على ابن أخيه الحرّ بن قيس بن حصن، وكان من النفر الذين يدنيهم عمر بن الخطاب. فقال عيينة لابن أخيه: يا ابن أخي، هل لك وجه عند هذا الأمير فتستأذن لي عليه. قال: سأستأذن لك عليه. قال ابن عباس: فاستأذن لعيينة، فلما دخل قال: يا ابن الخطاب، والله ما تعطينا الجزل، ولا تحكم بيننا بالعدل. فغضب عمر حتى همّ بأن يقع به. فقال الحرّ: يا أمير المؤمنين إن الله تعالى قال لنبيه r : {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين}   وإن هذا من الجاهلين. فوالله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه. وكان وقّافا عند كتاب الله. ( رواه البخاري )

* وقفات مع سيرة الفاروق(2) (ولكنّ الله يعرفهم)

قُتل عدد من المسلمين في فتح قندهار، فقال عمر رضي الله عنه للصحابة: من القتلى؟ فذكروا له مجموعة من الأسماء، ثم قالوا: وهناك أشخاص آخرون لا تعرفهم، فدمعت عينا عمر رضي الله عنه، وقال: ولكن الله يعرفهم .  لم يضر هؤلاء الشهداء المجهولين أن عمر لا يعرفهم، ولم ينقص من قدرهم أن عمر لم يسمع بهم من قبل، يكفيهم أن الله يعرفهم، ويكفيهم أن أسماءهم سجلت في سجل الخالدين، وسينساهم الجميع حتى أقرب الناس إليهم، ولكن الله لن ينساهم، ولن يضرهم أن جميع أهل الأرض لا يعرفونهم، طالما أنهم معروفون عند أهل السماء (وذكرهم فيمن عنده) 

* وقفات مع سيرة الفاروق (1) (اذهب .. فأنت لا تعرفه)

شهد رجل عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه بشهادة فقال له عمر: لا أعرفك، فائتني بمن يعرفك، فقال رجل من القوم: أنا أعرفه. فقال عمر: بأي شيء تعرفه؟ قال: بالعدالة والفضل. فقال عمر: أهو جارك الأدنى الذي تعرفه ليله ونهاره، ومدخله ومخرجه؟ قال: لا. قال عمر: فهل عاملته بالدينار والدرهم اللذين يُستدل بهما على الورع؟ قال: لا. قال عمر: فهل رافقته في السفر الذي يُستدل به على مكارم الأخلاق؟ قال: لا. فقال عمر: أظنك رأيته قائماً في المسجد يهمهم بالقرآن، يخفض رأسه تارة ويرفعه أخرى! قال: نعم. قال عمر: اذهب فأنت لا تعرفه!! ثم قال للرجل المشهود له: ائت بمن يعرفك. (سنن البيهقي الكبرى ج10/ص125)